للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأدلةٍ ظاهرة دَالَّةٍ على أن ذلك مِن صِفَتِهم، وإما بإظهارِ الموصوفين بذلك العداوةَ والشَّنآنَ وبالمُناصَبةِ لهم، فأما مَن لم يُثْبِتوه (١) معرفةً أنه الذي نَهاهم اللهُ ﷿ عن مُخالَّتِه ومُباطنته، فغيرُ جائزٍ أن يكونوا نُهُوا عن مُخالَّتِه ومُصادقتِه، إلا بعدَ تعريفِهم إياهم، إما بأعيانِهم وأسمائِهم، وإما بصفاتٍ قد عرَفوهم بها.

وإذ كان ذلك كذلك، وكان إبداءُ المنافِقين بألسنتِهم ما في قلوبهم من بَعْضاءِ المؤمنين إلى إخوانِهم من الكفارِ، غيرَ مُدْرِكٍ به المؤمنون معرفةَ ما هم عليه لهم، مع إظهارِهم الإيمانَ بألسنتِهم لهم، والتَّوَدُّدِ إليهم، كان بَيِّنًا أن الذى نهَى اللَّهُ المؤمنين عن اتِّخاذِهم لأنفسِهم بِطانةً دونَهم، هم الذين قد ظهَرَت لهم بَغْضاؤُهم بألسنتِهم، على ما وصَفهم اللهُ به، فعَرَفهم المؤمنون بالصفةِ التي نَعَتَهم اللهُ بها، وأنهم هم الذين وصَفهم تعالى ذكرُه بأنهم أصحابُ النارِ هم فيها خالدون، ممن كان له ذِمَّةٌ وعهدٌ مِن رسولُ اللهِ وأصحابه، مِن أهلِ الكتابِ؛ لأنهم لو كانوا المنافِقين، لكان الأمرُ فيهم على ما قد بَيَّنا، ولو كانوا الكفارَ ممن قد ناصَب المؤمنين الحربَ، لم يكن المؤمنون مُتَّخِذِيهم لأنفسهم بِطانةً مِن دونِ المؤمنين مع اختلافِ بلادِهم، وافتراقِ أمصارِهم، ولكنهم الذين كانوا بينَ أَظْهُرِ دُورِ (٢) المؤمنين مِن أهلِ الكتابِ، أيامَ رسولُ اللهِ ، ممن كان له مِن رسولِ اللهِ عهدٌ وعقدٌ، مِن يهودِ بني إسرائيلَ.

والبَغْضاءُ مصدرٌ، وقد ذُكِر أنها في قراءةِ ابن مسعودٍ (٣): (قَدْ بَدَا البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ). على وَجْهِ التذكير، وإنما جاز ذلك بالتَّذكيرِ ولَفْظُه لَفْظُ المؤنثِ؛ لأن المصادرَ تأنيتُها ليس بالتأنيثِ اللازمِ، فيجوزُ تذكيرُ ما خرج منها على لفظِ


(١) لم يثبتوه: لم يعرفوه حق المعرفة.
(٢) سقط من: م.
(٣) معانى القرآن للفراء ١/ ٢٣١، البحر المحيط ٣/ ٣٨.