للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقرَأ ذلك جماعةٌ من أهلِ المدينةِ وعامةُ قرأةِ أهلِ الكوفةِ: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾. بضَمِّ الضادِ وتشديدِ الراءِ (١)، من قولِ القائلِ: ضَرَّني فلانٌ فهو يَضُرُّني ضَرًّا.

وأما الرفعُ فى قولِه: ﴿لَا يَضُرُّكُمْ﴾. فمن وجهَين؛ أحدُهما على إتْباعِ الراءِ في حركتِها -إذ كان الأصلُ فيها الجزمَ، ولم يُمْكِنْ جَزْمُها؛ لتَشْدِيدِها- أقربَ حركاتِ الحروفِ التي قبلَها، وذلك حركةُ الضَّادِ وهى الضمةُ، فأُلْحِقَت بها حركةُ الراءِ لقُرْبِها منها، كما قالوا: مُدُّ ياهذا، والوجهُ الآخرُ من وجهى الرفعِ في ذلك، أن تكونَ مرفوعةً على صحةٍ، وتكونَ "لا" بمعنى "ليس"، وتكون الفاءُ التي هي جوابُ الجَزاءِ متروكةً؛ لعلمِ السامعِ بموضعِها.

·وإذا كان ذلك معناه، كان تأويلُ الكلامِ: وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا فليس يَضُرُّكم كَيْدُهم شيئًا. ثم تُرِكَت الفاءُ من قولِه: ﴿لَا (٢) يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ﴾. وَوُجِّهَت "لا" إلى معنى "ليس"، كما قال الشاعرُ (٣):

فإن كان لا يُرْضِيكَ حتى تَرُدَّنى … إلى قَطَرِيٍّ لَا إِخَالُكَ رَاضِيَا

ولو كانت الراءُ مُحَرَّكَةً إلى الخفضِ والنصبِ كان جائزًا، كما قيل: مُدِّ ياهذا، ومُدَّ.

وقولُه: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾. يقولُ جل ثناؤه: إن اللهَ بما يعمَلُ هؤلاء الكفارُ في عبادِه وبلادِه من الفسادِ، والصَّدِّ عن سبيلِه،


(١) وهى قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. السبعة لابن مجاهد ص ٢١٥.
(٢) في الأصل: "فلا".
(٣) هو سوار بن المضرب السعدى، والبيت فى النوادر لأبي زيد ص ٤٥ ومعاني القرآن للفراء ١/ ٣٣٢ والكامل للمبرد ٢/ ١٠٢.