للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شِهابٍ الزهريُّ، ومحمدُ بنُ يحيى بنِ حَبَّانَ، وعاصمُ بنُ عمرَ قتادةَ، والحصينُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عمرِو بنِ سعدِ بنِ معاذٍ، وغيرُهم من علمائِنا، قالوا: لمَّا سمِع رسولُ اللهِ والمسلمون بالمشركين قد نزَلوا مَنْزلَهم من أُحُدٍ، قال رسولُ اللهِ للمسلمين: "إنِّي قد رأيتُ بَقَرًا، فَأَوَّلتُها خَيْرًا، ورأيتُ في ذُبابِ (١) سَيْفِى ثَلْمًا (٢)، ورأيتُ أَنِّى أَدْخَلتُ يَدِى فى دِرْعٍ حَصِينةٍ، فَأَوَّلْتُها المدينةَ، فَإِنْ رَأَيْتُم أن تُقِيمُوا بالمدينةِ وتَدَعُوهم حيثُ نزَلوا، فإن أقامُوا أقاموا بِشَرِّ مُقامٍ، وإِن هُم دخَلوا علينا قاتَلْناهم فيها". وكان رأيُ عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلُولَ مع رأيِ رسولِ اللهِ ، يرَى رأيَ رسولِ اللهِ في ذلك ألا يخرُجَ إليهم، وكان رسولُ اللهِ يَكْرَهُ الخروجَ من المدينةِ، فقال رجالٌ من المسلمين ممن أكرَم اللهُ بالشهادةِ يومَ أُحُدٍ، وغيرُهم ممن كان فاتَه بدرٌ وحضورُه: يا رسولَ اللهِ، اخرُجْ بنا إلى أعدائِنا، لا يَرَون أَنَّا [جَبُنَّا عنهم] (٣) وضَعُفْنا. فقال عبدُ اللهِ بنُ أبيٍّ ابنُ سلولَ: يا رسولَ اللهِ، أَقِمْ بالمدينةِ، لا تخرُجْ إليهم، فواللهِ ما خرَجنا منها إلى عدوٍّ لنا قَطُّ إلا أصابَ منا، ولا دخَلها علينا (٤) إلا أصَبْنا منه، فدَعْهم يا رسولَ اللهِ، فإن أقاموا أقاموا بِشَرِّ مَحْبَسٍ، وإن دخَلوا قاتَلهم الرجالُ فى وجوهِهم ورَماهم النساءُ والصبيانُ بالحجارةِ من فوقِهم، وإن رجَعوا رجَعوا خائِبِين كما جاءوا. فلم يَزَلِ الناسُ برسولِ اللهِ ، الذين كان من أمْرِهم حُبُّ لقاءِ القومِ، حتى دخَل رسولُ اللهِ فَلَبِس لَأُمَتَه (٥).

فكانت تَبْوِئَةُ رسولِ اللهِ المؤمنين المقاعدَ (٦) للقتالِ، ما ذكَرنا من


(١) ذباب السيف: طرفه الذى يضرب به. النهاية ٢/ ١٥٢.
(٢) أي: كسرًا.
(٣) في س: "خفنا منهم".
(٤) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "قط".
(٥) تقدم تخريجه في ص ٨.
(٦) في م: "مقاعد".