للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قال: فكيف (١) كانت تَبْوِئْتُه المؤمنين مقاعدَ للقتالِ غُدُوًّا قبلَ خُروجِه، وقد عَلِمتَ أن التَّبْوِئَةَ اتخاذُ المواضعِ (٢)؟

قيل: كانت تَبْوئتُه إياهم ذلك قبلَ مُناهضتِه عَدوَّه، عندَ مشورتِه على أصحابِه بالرأيِ الذي رآه لهم بيومٍ أو يومين، وذلك أن رسولَ اللهِ لمَّا سمِع بنزولِ المشركين من قريشٍ وأتباعِها أُحُدًا، قال -فيما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السُّدِّيِّ- لأصحابِه: "أَشِيروا عليَّ، ما أصنَعُ"؟. فقالوا: يا رسولَ اللهِ، اخرُجْ بنا (٣) إلى هذه الأكلُبِ. فقالت الأنصارُ: يا رسولَ اللهِ، ما غلَبَنا عدوٌّ لنا قطُّ (٣) أتانا في ديارِنا، فكيف وأنت فينا! فَدَعا رسولُ اللهِ عبدَ اللهِ بنَ أبيٍّ ابنَ سَلُولَ، ولم يَدْعُه قَطُّ قبلَها، فاستَشاره، فقال: يا رسولَ اللهِ، اخرُجْ بِنا إلى هذه الأكلُبِ. وكان رسولُ اللهِ يُعْجِبُه أن يدخُلوا عليه المدينةَ، فيُقاتَلُوا فى الأزقَّةِ، فأتاه النُّعْمانُ بنُ مالكٍ الأنصاريُّ فقال: يا رسولَ اللهِ، لا تَحرِمْنى الجنةَ، فوالذي بعَثَك بالحقِّ لأدخُلَنَّ الجنةَ. فقال له: "بمَ"؟ قال: بأنى أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنك رسولُ اللهِ، وأنى لا أَفِرُّ من الزَّحْفِ. قال: "صَدَقْتَ". فقُتِل يومَئذٍ. ثم إن رسولَ اللهِ دَعا بدرْعِه فلَبِسها، فلما رَأَوه قد لَبِس السلاحَ نَدِموا، وقالوا: بِئْسَما صنَعنا، نُشيرُ على رسولِ اللهِ والوحيُ يَأتيه! فقاموا واعتَذروا إليه، وقالوا: اصنعْ ما رأيتَ. فقال رسولُ اللهِ : "لا يَنْبَغِى لنَبِيٍّ أَنْ يَلْبَسَ لَأْمَتَه فيَضَعَها حتى يُقاتِلَ" (٤).

حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، قال: ثنى ابنُ


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "وكيف".
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الموضع".
(٣) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س.
(٤) أخرجه المصنف في تاريخه ٢/ ٥٠٣، وستأتي بقيته في ص ١٣.