للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنفسِنا قوةً وعزًّا (١). قال: وكنتُ رجلًا ضعيفًا، وكنتُ أعمَلُ القِداحَ، أنْحِتُها في حجرةِ زمزمَ، فوالله إنى لجالسٌ فيها أنْحِتُ القِداحَ وعندى أمُّ الفضلِ جالسةً، وقد سَرَّنا ما جاءنا من الخبرِ، إذ أقبَل الفاسقُ أبو لَهَبٍ يَجُرُّ رجليه بشَرٍّ، حتى جَلَس على طُنُبِ (٢) الحجرةِ، فكان ظهرُه إلى ظَهْرِى، فبَينا هو جالسٌ إذ قال الناسُ: هذا أبو سفيانَ بنُ الحارثِ بنِ عبدِ المطلبِ قد قَدِم. قال: قال أبو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِليَّ يا ابنَ أخى، فعندَك (٣) الخبرُ. قال: فجَلَس إليه، والناسُ قيامٌ عليه، فقال: يا ابنَ أخي، أخبِرْنى كيف كان أمرُ الناسِ؟ قال: لا شيءَ واللهِ، إن كان إلَّا أن لَقيناهم، فمَنَحْناهم أكتافَنا، يَقْتُلوننا ويأسِروننا كيف شاءوا، وايمُ اللهِ ذلك ما لُمْتُ الناسَ، لَقِينا رجالًا بِيضًا على خيلٍ بُلْقٍ (٤) بينَ السماءِ والأرضِ، [ما تُلِيقُ شيئًا] (٥)، ولا يقومُ لها شيءٌ. قال أبو رافعٍ: فرَفَعتُ طُنُبَ الحجرةِ بيدى، ثم قلتُ: تلك الملائكةُ (٦).

حدَّثنا ابنُ حُمَيدٍ، قال: ثنا سَلَمةُ، عن محمدٍ، قال: ثني الحسنُ بنُ عمارةَ، عن الحكمِ بن عُتَيبةَ، عن مِقْسَمٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان الذي أسَر العباسَ أبو اليَسَرِ كعب بنُ عمرٍو أخو بني سَلِمةَ، وكان أبو اليَسَرِ رجلًا مجموعًا (٧)، وكان


(١) فى ص، ت ١: "عنة"، وفى م، ت ٢، ت ٣:"عونة".
(٢) الطنب: حبل طويل يشد به البيت والسرادق، وقيل الوتد، والجمع: أطناب وطِنبَة. اللسان (طنب).
(٣) في ص، ت ١: "فعندي".
(٤) بعده فى م، ت ٢، ت ٣، س: ما". وبَلِق الفرس: كان فيه سواد وبياض، فهو أبلق جمعه بلق. اللسان (بلق).
(٥) فى م: "ما يليق لها شيء"، وما تليق شيئا. أى: ما تبقى شيئا، يقال: فلان ما يليق شيئا من سخائه. أي: ما يُمْسِك شيئا. ينظر اللسان (ل ى ق).
(٦) سيرة ابن هشام ١/ ٦٤٦، وأخرجه المصنف في التاريخ ٣/ ٤٦١ وعنه الأصفهاني في الأغاني ٤/ ٢٠٥، وأخرجه ابن سعد في الطبقات ٤/ ٧٣، والحاكم ٣/ ٣٢٣ من طريق ابن إسحاق به.
(٧) رجلًا مجموعًا: يراد به مجتمع الخلْق لم يبسط، كما يدل عليه سياق الأثر، وينظر التاج (ج م ع).