حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبي، قال: ثنى عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾. قال: خَطايانا (١).
وأما قولُه: ﴿وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾. فإنه يقولُ: اجْعَلْنا ممَّن يَثْبُتُ لحربِ عدوِّك وقتالِهم، ولا تَجْعَلْنا ممَّن يَنْهَزِمُ فيفِرَّ منهم، ولا يَثْبُتَ قدمُه في مكانٍ واحدٍ لحرِبهم، ﴿وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾. يقولُ: وانْصُرْنا على الذين جحَدوا وحْدانيتَك ونبوةَ نبيِّك.
وإنما هذا تأنيبٌ مِن اللهِ جلَّ ثناؤه عبادَه الذين فرُّوا عن العدوِّ يومَ أحدٍ، وترَكوا قتالَهم، وتأديبٌ لهم، يقولُ اللهُ جلَّ ثناؤه لهم: هلَّا فعَلْتُم إذ قيل لكم: قُتِل نبيُّكم. كما فعَل هؤلاء الرِّبِّيون، الذين كانوا قبلكم مِن أتباعِ الأنبياءِ، إذ قُتِلَت أنبياؤُهم، فصبَرْتم لعدوِّكم صبرَهم، ولم تَضْعُفوا وتَسْتَكِينوا لعدوِّكم، فتُحاوِلوا الارْتِدادَ على أعقابِكم، كما لم يَضْعُف هؤلاء الرِّبيون، ولم يسْتَكِينوا لعدوِّهم، وسألْتُم ربَّكم النصرَ والظَّفَرَ كما سأَلوا، فَينْصُرَكم اللهُ جلَّ وعزَّ كما نُصِروا؛ فإن الله جلَّ وعزَّ يُحِبُّ مَن صبَر لأمرِه، وعلى جهادِ عدوِّه، فيُعطِيه النصرَ والظَّفَرَ على عدوِّه.
كما حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾. أي: فقولوا كما قالوا، واعلَموا أنما ذلك بذنوبٍ منكم، واسْتَغْفِرُوا كما اسْتَغْفَروا، وامْضُوا على دينِكم، كما مضَوا على دينِهم، ولا تَرْتَدُّوا على أعقابِكم راجِعِين، واسْأَلوه كما سأَلوه أن يُثَبِّتَ أقدامَكم، واسْتَنْصِروه كما اسْتَنْصَروه على القومِ الكافرين، فكلُّ هذا مِن قولِهم قد كان، وقد قُتِل نبيُّهم، فلم
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٨٣ (٤٢٩٨) عن محمد بن سعد به.