للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَفْعَلُوا كما فعَلْتُم (١).

والقراءةُ التي هي القراءةُ في قولِه: ﴿وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ﴾. النصبُ (٢)؛ لإجماعِ قَرَأةِ الأمْصارِ على ذلك، نقلًا مستفيضًا، وِراثةً عن الحُجَّةِ.

وإنما اخْتِير النصبُ في "القولِ"؛ لأن "أن" (٣) لا تكونُ إلا معرفةً، فكانت أولى بأن تكون هي الاسمَ دونَ الأسماءِ التي قد تَكونُ معرفةً أحيانًا ونكرةً أحيانًا، ولذلك اخْتِير النصبُ في كلِّ اسمٍ ولِى "كان"، إذا كان بَعده "أن" الخفيفةُ، كقولِه: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ [العنكبوت: ٢٤]، وقولِه: (ثُمَّ لم تَكُنْ فِتْنَتَهم إلَّا أن قالوا) (٤) [الأنعام: ٢٣].

فأما إذا كان الذي يَلِى "كان" اسمًا معرفةً، والذي بعدَه مثلَه، فسواءٌ الرفعُ؛ والنصبُ في الذي ولِى "كان"، فإن جعَلْتَ الذي ولى "كان" هو الاسمَ رفَعْتَه، ونصَبْتَ الذي بعدَه، وإن جعَلْتَ الذي ولِى "كان" هو الخبرَ نصَبْتَه، ورفَعْتَ الذي بعدَه، كقولِه جل ثناؤُه: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ [الروم: ١٠]. إن جعَلْتَ "العاقبةَ" الاسمَ رفَعْتَها، وجَعَلْتَ ﴿السُّوأَى﴾ هي الخبرَ منصوبةً، وإن جعَلْتَ "العاقبة" هي الخبرَ نَصَبْتَ، فقلتَ: ثم (٥) كان عاقبةَ الذين أساءوا السوآى، وجَعَلْتَ ﴿السُّوأَى﴾ هي الاسمَ، فكانت مرفوعةً، وكما قال الشاعرُ (٦):


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ١١٣ وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٨٢، ٧٨٣ (٤٢٩٧) من طريق سلمة به.
(٢) قراءة النصب هي قراءة الجمهور. وقرأ الحسن بالرفع. ينظر الإتحاف ١/ ١٣٠.
(٣) في م: "إلا أن".
(٤) يأتى الكلام على هذه القراءة عند تفسير الآية ٢٣ من سورة الأنعام.
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "و".
(٦) البيت في الكتاب لسيبويه، ١/ ٥٠، والمحتسب لابن جنى ٢/ ١١٦، وشرح المفصل لابن يعيش ٧/ ٩٦.