للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجبلِ، ونهَض رسولُ اللهِ إلى صخرةٍ من الجبلِ ليَعْلُوَها، وكان رسولُ اللهِ قد بدَّن (١)، وظاهرَ بينَ دِرْعَيْن (٢)، فلمَّا ذهَب ليَنْهَضَ، فلم يَسْتَطِعْ، جلَس تحتَه طلحةُ بن عُبيدِ اللهِ، فنهَض حتى اسْتَوَى عليها.

ثم إنَّ أبا سفيانَ حينَ أراد الانصرافَ أشْرَف على الجبلِ، ثم صرَخ بأعلى صوتِه: أَنْعَمَتْ فعالِ (٣)، إنَّ الحربَ سِجالٌ، يومٌ بيومِ بدرٍ، اعْلُ هُبَلُ. أَيْ: ظهَر دينُك. فقال رسولُ اللهِ لعمرَ: "قُمْ فَأَجِبْه، فقُلْ: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، لا سَواءَ، قَتْلانا في الجنةِ، وقَتْلاكم في النارِ". فلمَّا أجاب عمرُ أبا سفيانَ، قال له أبو سفيانَ: هَلُمَّ إليَّ ياعمرُ، فقال له رسولُ اللهِ : "ائْتِه فانْظُرْ ما شأنُه"؟ فجاءَه فقال له أبو سفيانَ: أَنْشُدُك الله يا عمرُ، أقتَلْنا محمدًا؟ فقال عمرُ: اللهمَّ لا، وإنه لَيَسْمَعُ كلامَك الآنَ. فقال: أنت أصدقُ عندى مِن ابن قَمِيئَةَ وأبرُّ (٤). لقولِ ابن قَمِيئةَ لهم: إنى قد قتَلْتُ محمدًا. ثم نادىَ أبو سفيانَ، فقال: إنه قد كان في قَتْلاكم مُثَلٌ (٥)، واللهِ ما رضِيتُ ولا سخِطْتُ، وما نهَيْتُ ولا أمَرْتُ (٦).

حدَّثنا ابن حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابن إسحاقَ: ﴿فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ﴾، أي: كَرْبًا بعدَ كَرْبٍ، قَتْلُ مَن قُتِل من إخوانِكم، وعلوُّ عدوِّكم عليكم، وما وقَع في أنفسِكم مِن


(١) بدن: كبر وأسن. النهاية ١/ ١٠٧.
(٢) أي جمع ولبس إحداهما فوق الأخرى. النهاية ٣/ ١٦٦.
(٣) في م: "فقال". وقد كان الرجل من قريش إذا أراد ابتداء أمر عمد إلى سهمين فكتب على أحدهما: "نعم"، وعلى الآخر: "لا". ثم يتقدم إلى الصنم ويجيل سهامه، فإن خرج سهم "نعم" أقدم، وإن خرج سهم "لا" امتنع. وكان أبو سفيان لما أراد الخروج إلى أحد استفتى هبل، فخرج له سهم الإنعام فذلك قوله: "أنعمت، فعال عنها": أي تجاف عنها ولا تذكرها بسوء، يعنى آلهتهم. النهاية ٣/ ٢٩٤.
(٤) في م: "وأشار".
(٥) في م: "مثلة".
(٦) سيرة ابن هشام ٢/ ٨٣، ٨٦، وأخرجه المصنف في تاريخه ٢/ ٥١٨، ٥٢١، ٥٢٢، ٥٢٧.