وعلو الهمة في طلب العلم، فلا غرابة أن يصير ابن جرير الطبري إمام عصره في القراءات والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، واللغة، وأن يُبحر في كل علم من هذه العلوم إبحارَ واثقٍ، ومن ثمَّ تبرز أهمية تحقيق تفسيره تحقيقًا يسد الخلَل الذي وقع في الطبعات السابقة، فهناك مواضع في تلك الطبعات فيها نقص من نص الكتاب، وقد يسر الله لنا الاستعانة بمجموعة من النسخ الخطية سدت هذا الخلل ورتقت الثقوب ورفَّت الخروق، ومن أنفس تلك النسخ، نسخة محفوظة بخزانة جامعة القرويين بفاس، يرجع تاريخ نسخها إلى نهاية القرن الرابع الهجري، ولها مصورة بمعهد المخطوطات العربية، سيأتي وصفها إن شاء الله عند الحديث عن وصف النسخ الخطية، حيث إنها أضافت العديد من الآثار، وسدت خللًا كبيرًا وقع في تلك الطبعات، منه على سبيل المثال تأويل الآيات السادسة والتسعين والسابعة والتسعين والثامنة والتسعين من سورة الأعراف، والذي لم تتضمنه أية طبعة من طبعات الكتاب السابقة.
وإزاء أهمية هذا التفسير وإبحاره في جُلِّ علوم الدين، وتفرده في بابه وسمو لفظه، وسبقه لكل التفاسير، وغزارة مادته العلمية، حتى لكأنه ديوان للآثار والتفسير والقراءات، والحديث، والفقه، واللغة، والشعر، كان من الواجب شحذ الهمة والتوجه بها نحو تحقيق هذا الكتاب، مستعينًا بالله، راجيًا منه القبول والتوفيق والتيسير، والله من وراء القصد، وعليه التُكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.