للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا القاسمُ بنُ الحسنِ، قال: حدَّثنا الحسينُ بنُ داودَ، قال: حدَّثني حجَّاجٌ، عن ابنِ جُرَيْجٍ قولَه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾. قال: هذا الكتابُ. قال: وقال ابنُ عباسٍ: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾: هذا الكتابُ (١).

فإن قال قائلٌ: وكيف يَجوزُ أن يكونَ ﴿ذَلِكَ﴾ بمعنى "هذا"؟ و"هذا" لا شكَّ إشارةٌ إلى حاضرٍ مُعايَنٍ، و ﴿ذَلِكَ﴾ إشارةٌ إلى غائبٍ غيرِ حاضرٍ ولا مُعايَنٍ؟

قيل: جاز ذلك؛ لأن كلَّ ما تقَضَّى [وقَرُب] (٢) تَقَضِّيه من الإخبارِ، فهو وإن صار بمعنى غيرِ الحاضرِ، فكالحاضرِ عندَ المخاطَبِ، وذلك كالرجلِ يُحَدِّثُ الرجلَ الحديثَ، فيقولُ السامعُ: إن ذلك واللَّهِ لكما قلتَ. و: هذا واللَّهِ كما قلتَ. و: هو واللَّهِ كما ذكَرْتَ. فيُخْبِرُ عنه مرةً بمعنى الغائبِ، إذ كان قد تقَضَّى ومضَى، ومرةً بمعنى الحاضرِ، لقُرْبِ جوابِه مِن كلامِ مُخْبِرِه، كأنه غيرُ مُنْقَضٍ، فكذلك ﴿ذَلِكَ﴾ في قولِه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾. لأنه جلَّ ذكرُه لما قدَّم قبلَ ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ ﴿الم﴾ التي ذكَرْنا تصَرُّفَها في وجوهِها مِن المعاني على ما وصَفْنا، قال لنبيِّه : يا محمدُ، هذا الذي ذكَرْتُه وبيَّنْتُه لك، الكتابُ. ولذلك حسُن وضعُ ﴿ذَلِكَ﴾ في مكانِ "هذا"؛ لأنه أُشِير به إلى الخبرِ عما تضَمَّنه قولُه ﴿الم﴾ مِن المعاني، بعدَ تقَضِّي الخبرِ عنه بـ ﴿الم﴾ فصار لقربِ الخبرِ عنه مِن تقَضِّيه، كالحاضرِ المشارِ إليه، فأخْبَر عنه بـ ﴿ذَلِكَ﴾ لانْقِضائِه، ومصيرِ الخبرِ عنه


= الحاكم ٢/ ٢٦٠ من طريق أسباط، عن السدي، عن مرة، عن ابن مسعود. وقال: صحيح على شرط مسلم.
(١) ينظر تفسير ابن كثير ١/ ٦٠، وفتح القدير ١/ ٣٣.
(٢) في ص: "بقرب"، وفي ر: "فقرب".