للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كالخبرِ عن الغائبِ. وترْجَمه المفسِّرون أنه بمعنى "هذا"؛ لقربِ الخبرِ عنه مِن انقضائِه، فكان كالمُشاهَدِ (١) المشارِ إليه بـ "هذا"، نحوَ الذي وصَفْنا مِن الكلامِ الجاري بينَ الناسِ في مُحاوراتِهم، وكما قال جلَّ ذكرُه: ﴿وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (٤٨) هَذَا ذِكْرٌ﴾ [ص: ٤٨، ٤٩]. فهذا ما في ﴿ذَلِكَ﴾ إذا عنى بها (٢) "هذا".

وقد يَحْتَمِلُ قولُه جلَّ ذكرُه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾. أن يكونَ مَعنِيًّا به السورُ التي نزَلَت قبلَ سورةِ البقرةِ بمكةَ والمدينةِ، فكأنه قال جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ : يا محمدُ، اعْلَمْ أن ما تضَمَّنَتْه سورُ الكتابِ التي قد أنْزَلْتُها إليك هو الكتابُ الذي لا ريبَ فيه، ثم ترْجَمه المُفَسِّرون بأن معنى ﴿ذَلِكَ﴾: هذا الكتابُ، إذ كانت تلك السورُ التي نزَلَت قبلَ سورةِ البقرةِ مِن جملةِ جميعِ كتابِنا هذا الذي أنْزَلَه اللَّهُ ﷿ على نبيِّنا محمدٍ .

وكان التأويلُ الأولُ أولى بما قال المُفَسِّرون؛ لأن ذلك أظهرُ معاني قولِهم الذي قالوه في: ﴿ذَلِكَ﴾.

وقد وجَّه معنى ﴿ذَلِكَ﴾ بعضُهم إلى نظيرِ معنى بيتِ خُفَافِ بنِ نُدْبَةَ السُّلَميِّ (٣):

فإن تَكُ خَيْلى قد أُصِيب صَمِيمُها … فعَمْدًا على عَيْنٍ تيَمَّمْتُ مالِكَا (٤)


(١) في ص، ر، ت ٢: "كالشاهد".
(٢) في ر: "بهذا"، وفي ت ٢: "به".
(٣) الأغاني ٢/ ٣٢٩، الخزانة ٥/ ٤٣٨ - ٤٤٠. وسيأتي البيت الثاني في تفسير الآية ٨٥ من سورة البقرة.
(٤) هو مالك بن حمار الفزاري. ينظر الأغاني ٢/ ٣٢٩.