للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعنى بذلك تعالى ذكرُه أن مصيرَ هؤلاء المفترين على اللَّهِ، من اليهودِ المكذِّبين برسولِه، الذين وصَف صفتَهم، وأخبر عن جراءتِهم على ربِّهم، ومصيرَ غيرِهم من جميعِ خلقِه تعالى ذكرُه، ومرجعَ جميعِهم إليه؛ لأنه قد حتَم الموتَ على جميعِهم، فقال لنبيِّه : لا يحزُنْك تكذيبُ من كذَّبك يا محمدُ، من هؤلاء اليهودِ وغيرِهم، وافتراءُ من افترى على اللَّهِ، فقد كُذِّب قبلَك رسلٌ جاءوا [من الآياتِ] (١) والحججِ من أُرْسِلوا إليه، بمثلِ الذي جئتَ إلى من أُرْسِلتَ إليه، فلك بهم أسوةٌ تنعزَّى بهم، ومصيرُ من كذَّبك وافترى عليَّ، وغيرِهم، ومرجعُهم إليَّ، فأُوفِّى كلَّ نفسٍ منهم جزاءَ عملِه يومَ القيامةِ، كما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. يعنى أجورَ أعمالِكم، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ﴾. يقولُ: فمن نُحِّى عن النارِ، وأُبْعِد منها، ﴿فَقَدْ فَازَ﴾. يقولُ: فقد نجا وظفِر بحاجتِه. يقالُ منه: فاز فلانٌ بطَلِبتِه، يفوزُ فوزًا ومَفازًا ومفازةً. إذا ظفِر بها.

وإنما معنى ذلك: فمن نُحِّى عن النارِ فأُبْعِد منها، وأُدْخِل الجنةَ، فقد نجا وظفِر بعظيمِ الكرامةِ، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. يقولُ: وما لذاتُ الدنيا وشهواتُها، وما فيها من زينتِها وزخارفِها، ﴿إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. يقولُ: إلا متعةٌ يمتِّعُكموها الغرورُ والخداعُ المضمحِلُّ الذي لا حقيقةَ له عندَ الامتحانِ، ولا صحةَ له عندَ الاختبارِ، فأنتم تلتذُّون بما متَّعكم الغرورُ من دنياكم، ثم هو عائدٌ عليكم بالفجائعِ والمصائبِ والمكارهِ. يقولُ جلَّ وعزَّ: ولا تركَنوا إلى الدنيا، فتسكُنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرورٍ تُمَتَّعون، ثم أنتم عنها بعد قليلٍ راحلون.

وقد رُوى في تأويلِ ذلك ما حدَّثني به المثنى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا


(١) في ت ٢: "بالآيات"، وفى س: "بالبينات".