للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جريرٌ، عن الأعمشِ، عن بُكيرِ بن الأَخْنسِ، عن عبدِ الرحمنِ بن سابطٍ في قولِه: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. قال: كزادِ الراعي، يزوِّدُ (١) الكفَّ من التمرِ، أو الشيءَ من الدقيقِ، أو الشيءَ يشرَبُ عليه اللبنَ (٢).

فكأن ابنَ سابطٍ ذهَب في تأويلِه هذا إلى أن معنى الآيةِ: وما الحياةُ الدنيا إلا متاعٌ قليلٌ، لا يُبلِّغُ مَن تَمتَّعَه، ولا يكفيه لسفرِه.

وهذا التأويلُ وإن كان وجهًا من وجوهِ التأويلِ، فإن الصحيحَ من القولِ فيه هو ما قلنا؛ لأن الغُرورَ إنما هو الخداعُ في كلامِ العربِ. وإذ كان كذلك، فلا وجهَ لصرفِه إلى معنى القلةِ؛ لأن الشيءَ قد يكونُ قليلًا وصاحبُه منه في غيرَ خداعٍ ولا غرورٍ، فأما الذي هو في غرورٍ، فلا القليلُ يَصِحُّ له ولا الكثيرُ، مما هو منه في غرورٍ.

والغُرورُ مصدرٌ من قولِ القائلِ: غرَّنى فلانٌ، فهو يَغُرُّنى غُرورًا. بضمِّ الغينِ، وأما إذا فتحتَ الغينَ من الغرورِ، فهو صفةٌ للشيطانِ الغَرورِ الذي يَغرُّ ابنَ آدَمَ، حتى يُدْخِلَه من معصيةِ اللَّهِ فيما يستوجِبُ به عقوبتَه.

وقد حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا عَبْدةُ وعبدُ الرحيمِ، قالا: ثنا محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو سلمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال النبيُّ : "موضِعُ سوطٍ في الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، واقرَءوا إن شئتم: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ " (٣).


(١) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "يزوده".
(٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٠٧ إلى المصنف.
(٣) أخرجه الترمذي (٣٢٩٢) عن أبي كريب به، وأخرجه هناد في الزهد (١١٣)، وابن حبان (٤٧١٧) من طريق عبدة بن سليمان به، وأخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ١٠١، ١٠٢، وأحمد ١٥/ ٤٠٨ (٩٦٥١)، وعبد بن حميد وعند الترمذي (٣٠١٣)، والنسائي (١١٠٨٥ - كبرى)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٣٣ (٤٦١٠)، والحاكم ٢/ ٢٩٩ وغيرهم من طريق محمد بن عمرو به.