للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك؛ وإما أربعٌ إن أمِنتم ذلك فيهن، يَدُلُّ على صحةِ ذلك قولُه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾. لأن المعنى: فإن خِفْتم في الثنتين، فانكحوا واحدةً، ثم قال: فإن خِفْتم ألا تَعْدِلُوا أيضًا في الواحدةِ، فما ملَكت أيمانُكم.

فإن قال قائلٌ: فإنّ [مِن قولِك: إن] (١) أمرَ الله ونهيَه على الإيجابِ والإلزامِ حتى تَقُومَ حجةٌ بأن ذلك على الندبِ (٢) والإرشاد أو (٣) الإعلامِ، وقد قال تعالى ذكرُه: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾، وذلك أمرٌ، فهل مِن دليلٍ على أنه مِن الأمرِ الذي هو على غيرِ وجهِ الإلزامِ والإيجابِ؟ قيل: نعم، والدليلُ على ذلك قوله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾. فكان معلومًا بذلك أن قولَه: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾. وإن كان مَخْرِجُه مَخْرَجَ الأمرِ، فإنه بمعنى الدَّلالةِ على النهيِ عن نكاحِ ما خاف الناكحُ الجَوْرَ فيه مِن عددِ النساءِ، لا بمعنى الأمرِ بالنكاح، وأنَّ المعنىَّ به: وإن خِفْتم ألا تُقْسِطوا في اليتامى فتَحَرَّجتم فيهم، فكذلك فتَحَرَّجوا في النساءِ، فلا تَنْكحوا إلا ما أمِنتم الجَوْرَ فيه منهن، مما أحْلَلْتُه لكم منهن مِن الواحدةِ إلى الأربعِ. وقد بيَّنا في غيرِ هذا الموضعِ، بأن العربَ تُخْرِجُ الكلامَ بلفظِ الأمرِ، ومعناها فيه النهيُ أو التهديدُ والوعيدُ، كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩]. وكما قال: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٥، والروم: ٣٤]. فخرَج (٤) ذلك مَخْرَجَ الأمرِ، والمقصودُ به التهددُ والوعيدُ، والزجرُ والنهيُ (٥)، فكذلك قولُه:


(١) سقط من: م، س.
(٢) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "التأديب".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "و".
(٤) في الأصل: "فمخرج".
(٥) ينظر ما تقدم في ٢/ ١٩٣، ١٩٤.