للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُوصِى: ﴿وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾. إن لم تُوصُوا لهم، فقولوا لهم خيرًا (١).

قال أبو جعفرٍ: وأوْلَى الأقوالِ في ذلك بالصحةِ قولُ مَن قال: هذه الآيةُ مُحكَمةٌ غيرُ منسوخةٍ، وإنما عنَى بها الوصيةَ لأُولِى قُرْبَى المُوصِى، وعنى باليتامى والمساكينِ أن يُقالَ لهم قولٌ معروفٌ.

وإنما قلنا: ذلك أولى بالصحةِ مِن غيرِه؛ لما قد بينَّا في غيرِ موضعٍ مِن كتابِنا هذا وغيرِه (٢) أن شيئًا مِن أحكامِ اللهِ التي أثْبَتها في كتابِه، أو بَيَّنها على لسانِ رسولِه ، غيرُ جائزٍ فيه أن يُقالَ له: ناسخٌ لحكمٍ آخرَ. أو: منسوخٌ لحكمٍ آخرَ. إلا والحُكمان اللذان قُضِىَ لأحدِهما بأنه ناسخٌ والآخرُ بأنه منسوخٌ، نافٍ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه، غيرُ جائزٍ اجتماعُ الحُكْمِ بهما في وقتٍ واحدٍ، بوجهٍ مِن الوجوهِ، وإن كان جائزًا صرفُه إلى غيرِ النسخِ، أو يقومَ بأن أحدَهما ناسخٌ والآخرَ منسوخٌ (٣) - حجةٌ يجِبُ التسليمُ لها.

وإذ كان ذلك كذلك؛ لما قد دلَّلنا في غيرِ موضعٍ - وكان قولُه تعالى ذِكْرُه: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾. مُحْتمِلًا أن يكونَ مرادًا به: وإذا حضَر قسمةَ مالِ قاسمٍ مالَه بوصيةٍ، أولو قرابتِه واليتامى والمساكينُ، فارزقوهم منه. يُرادُ به (٤): فأَوْصوا لأُولِى قرابتِكم الذين لا يرِثونكم منه، وقولوا لليتامى والمساكينِ قولًا معروفًا. كما قال في موضعٍ آخرَ: ﴿كُتِبَ


(١) ذكره النحاس في الناسخ والمنسوخ ص ٣٠٤.
(٢) ينظر ما تقدم في ٢/ ٣٨٨ - ٣٩٠، ٤٠١، ٤٠٢، ٤٥٧، ٤٥٨، ٤/ ٥٥٣، ٥٥٤، ٥/ ٧٩، ٨٠، ١٤٢، ١٤٣، ١٤٤.
(٣) سقط من ص، ت ١، ت ٢، ت ٣.
(٤) سقط من: ص، م، ت ١.