للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصنفِ الأولِ. وذلك على مذهبِ مَن رأَى أن الذين نزَلَت فيهم الآيتان الأوَّلتان مِن المؤمنين بعدَ قولِه: ﴿الم﴾. غيرُ الذين نزَلَت فيهم الآيتان الآخِرتان اللتان تَلِيانِ الأوَّلَتَيْن (١).

وقد يَحْتَمِلُ أن تكونَ ﴿الَّذِينَ﴾ الثانيةُ مرفوعةً في هذا الوجهِ بمعنى الائتنافِ (٢)، إذ كانت مُبْتَدَأً بها بعدَ تَمامِ آيةٍ وانْقِضاءِ قِصَّةٍ. وقد يَجوزُ الرفعُ فيها أيضًا بنيةِ الائتنافِ (٢)، إذ كانت في مبتدإِ آيةٍ، وإن كانت مِن صفةِ المتقين.

فالرفعُ إذن يَصِحُّ فيها مِن أربعةِ أوجهٍ، والخفضُ مِن وجهين.

وأولَى التأويلاتِ عندي بقولِه: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾. ما ذكَرْتُ مِن قولِ ابنِ مسعودٍ وابنِ عباسٍ، وأن تَكونَ ﴿أُولَئِكَ﴾ إشارةً إلى الفريقَيْن، أعْني المتّقين، و ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ وتكونَ ﴿أُولَئِكَ﴾ مرفوعةً بالعائدِ مِن ذكرِهم في قولِه: ﴿عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ﴾. وأن تكونَ ﴿أُولَئِكَ﴾ الثانيةُ معطوفةً على ما قبلُ مِن الكلامِ، على ما قد بيَّنَّاه.

وإنما رأيْنا أن ذلك أولى التأويلاتِ بالآيةِ؛ لأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه نعَت الفريقَيْن بنعتِهم المحمودِ، ثم أثْنَى عليهم، فلم يكنْ ﷿ لِيَخُصَّ أحدَ الفريقَيْن بالثناءِ مع تَساوِيهما فيما اسْتَحَقَّا به الثناءَ مِن الصفاتِ، كما غيرُ جائزٍ في عدلِه أن يَتَساوَيا فيما يَسْتَحِقَّان به الجزاءَ مِن الأعمالِ، فيَخُصَّ أحدَهما بالجزاءِ دونَ الآخرِ، ويَحْرِمَ الآخرَ جزاءَ عملِه، فكذلك سبيلُ الثناءِ


(١) في ص، ر، ت ٢: "الأولين".
(٢) في م: "الاستئناف" وهما بمعنى.