للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ إلى آخرِ الآيةِ (١).

قال أبو جعفرٍ: فأَمَّا المُحْصَنَاتُ، فإنهنَّ جمعُ مُحْصَنَةٍ، وهي التي قد مُنِع فرجُها بزوجٍ: يقالُ منه: أَحْصَنَ الرجلُ امرأتَه فهو يُحْصِنُها إحصانًا، وحصَنتْ هي فهي تَحْصُنُ حصانةً، إذا عفَّتْ، وهى حاصنٌ مِن النساءِ، عفيفةٌ، كما قال العجَّاجُ (٢):

وحاصِنٍ مِن حاصناتٍ مُلْسِ

من [الأذَى ومن] (٣) قِرافِ الوَقْسِ (٤)

ويقالُ أيضًا إذا هي عفّت فحفِظتْ فرجَها مِن الفجورِ: قد أحْصَنت فرجَها فهي مُحْصَنَةٌ. كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم: ١٢]. بمعنى: حفِظتْه مِن الريبةِ، ومنَعتْه مِن الفجورِ. وإنما قيل لحصونِ المدائنِ والقرى: حُصُونٌ. لمنعِها مَن أرادها وأهلَها، وحفْظِها ما وراءَها ممن بغاها مِن أعدائِها، ولذلك قيل للدرعِ: درعٌ حَصِينةٌ.

فإذ كان أصلُ الإحصانِ ما ذكَرنا مِن المنعِ والحفظِ، فبيِّنٌ أن معنى قولِه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾: والممنوعاتُ مِن النساءِ حرامٌ عليكم، ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾. وإذ كان ذلك معناه، وكان الإحصانُ قد يكونُ بالحُرِّيَّةِ، كما قال جل ثناؤُه: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥]. ويكونُ


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ١٣٩) إلى المصنف.
(٢) ديوانه ص ٤٨١.
(٣) في م: "عن".
(٤) الوقس: الجَرَب، ضربه مثلًا للفاحشة. اللسان (و ق س).