للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وآخرًا عن مشركيهم، فأَوْلَى أن يكونَ وَسَطًا عنهم، [إذ كان الكلامُ بعضُه لبعضٍ تَبَعٌ، إلا أنْ تأْتيَ (١)] (٢) دَلالةٌ واضحةٌ بعدولِ بعضِ ذلك عما ابْتَدَأ به مِن معانيه، فيكونَ معروفًا حينَئذٍ انصرافُه عنه.

وأما معنى الكفرِ في قولِه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾. فإنه الجُحودُ، وذلك أن الأحبارَ مِن يهودِ المدينةِ جحَدوا نبوَّةَ محمدٍ ، وستَروه عن الناسِ، وكتَموا أمرَه، وهم يَعْرِفونه كما يَعْرِفون أبناءَهم.

وأصلُ الكفرِ عندَ العربِ تغطيةُ الشيءِ، ولذلك سَمَّوُا الليلَ كافرًا؛ لتغطيةِ ظُلْمتِه ما لبِسَته، كما قال الشاعر (٣):

فتَذَكَّرَا ثَقَلًا (٤) رَثيدًا (٥) بَعْدَما … ألْقَتْ ذُكاءُ (٦) يَمينَها في كافِرِ

وكما قال لَبِيدُ بنُ ربيعةَ (٧):

* في لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمامُها *

يعني: غَطَّاها.

فكذلك الأحبارُ مِن اليهودِ، غطَّوا أمرَ محمدٍ وكتَموه الناسَ، مع علمِهم بنبوَّتِه ووجودِهم صفتَه في كتبِهم، فقال اللَّهُ جَلَّ ثناؤُه فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ


(١) في م: "تأتيهم".
(٢) سقط من: ص.
(٣) هو ابن صعير المازني، كما في المفضليات ص ١٣٠.
(٤) الثقل: بيض النعام المصون. اللسان (ث ق ل).
(٥) الطعام الرثيد: المنَضَّد بعضه فوق بعض، أو بعضه إلى جنب بعض. ينظر اللسان (ر ث د).
(٦) الذُّكاء: اسم للشمس. اللسان (ذ ك و).
(٧) شرح ديوان لبيد ص ٣٠٩.