يَعْنى جل ثناؤه بقولِه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ حلالَه وحرامَه، ﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾. يقولُ: وليُسَدِّدَكم ﴿سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾، يَعْنى: سُبُلَ مَن قبلَكم مِن أهلِ الإيمانِ باللهِ وأنبيائِه، ومناهجَهم، فيما حرَّم عليكم مِن نكاحِ الأمهاتِ والبناتِ والأخواتِ، وسائرِ ما حرَّم عليكم في الآيتيْن اللتين بيَّنَ فيهما ما حرَّم مِن النساءِ، ﴿وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾. يقولُ: ويُريدُ اللهُ أَن يَرْجِعَ بكم إلى طاعتِه في ذلك، مما كنتم عليه مِن معصيتِه في فعلِكم ذلك قبلَ الإسلامِ، وقبلَ أن يُوحِىَ ما أوحَى إلى نبيِّه مِن ذلك عليكم، ليَتَجاوزَ لكم - بتوبتِكم - عما سلَف منكم مِن قبيحِ ذلك، قبلَ إنابتِكم وتوبتِكم، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾. يقُولُ: واللهُ ذو علمٍ بما يُصْلِحُ عبادَه في أديانِهم ودنياهم، وغيرِ ذلك مِن أمورِهم، وبما يَأْتون ويَذَرون؛ مما أحلَّ أو حرَّم عليهم، حافظٌ ذلك كلَّه عليهم، ﴿حَكِيمٌ﴾ بتدبيرِه فيهم، في تصريفِهم فيما صرَّفهم فيه.
واختلَف أهلُ العربيةِ في معنى قولِه: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾، فقال بعضُهم: معنى ذلك: يريدُ اللهُ هذا مِن أجلِ أن يُبَيِّنَ لكم. وقال ذلك كما قال: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشورى: ١٥]. بكسرِ اللامِ؛ لأن معناه: أُمِرتُ بهذا مِن أجلِ ذلك.
وقال آخرون: معنى ذلك: يُريدُ اللهُ أن يُبَيِّنَ لكم، ويهديَكم سُنَنَ الذين مِن قبلِكم. وقالوا: مِن شأنِ العربِ التعقيبُ بينَ كَيْ و لامِ كَيْ وأَنْ، وَوَضْعُ كلِّ واحدةٍ منهن موضعَ كلِّ واحدةٍ مِن أختِها مع "أَرَدتُ" و "أَمَرتُ"، فيقولون: أَمَرْتُك أن تَذْهَبَ ولِتَذْهَبَ. وأرَدتُ أن تَذْهَبَ وَلِتَذْهَبَ. كما قال اللهُ جلَّ ثناؤه: ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: ٧١]. وقال في موضعٍ