للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخرَ: ﴿[إِنِّي أُمِرْتُ] (١) أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ [الأنعام: ١٤]. وكما قال: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾ [الصف: ٨]. ثم قال في موضع آخرَ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا﴾ [التوبة: ٣٢]. واعتلُّوا في تَوْجيهِهم "أنْ" مع "أَمَرتُ" و "أَرَدتُ" إلى معني "كَىْ"، وتوجيه "كَىْ" مع ذلك إلى معنى "أنْ"، لطَلَبِ "أَرَدتُ" و "أمَرتُ" الاستقبالَ، وأنَّهما (٢) لا يَصْلُحُ معهما (٣) الماضي؛ لا يُقالُ: أَمَرتُك أن قُمْتَ. ولا: أرَدتُ أن قُمْتَ. قالوا: فلما كانت "أنْ" قد تَكُونُ مع الماضي في غيرِ "أرَدتُ" و "أمَرتُ"، وكَّدوا (٤) لها معنى الاستقبالِ بما لا يَكُونُ معه ماضٍ مِن الأفعالِ بحالٍ، مِن "كَىْ" و "اللامِ" التي في معنى "كَىْ". قالوا: ولذلك جَمَعتِ العربُ بينَهن أحيانًا في الحرفِ الواحدِ، فقال قائلُهم في الجمعِ (٥):

أَرَدْتَ لِكَيْمَا أَن تَطِيرَ بِقِرْبَتِي … فتَتْرُكَها شَنًّا بِبَيْدَاءَ (٦) بَلْقَعِ (٧)

فجمَع بينَهنَّ لاتفاقِ مَعانِيهنَّ واختلافِ ألفاظِهن، كما قال الآخرُ (٨):

* قد يَكْسِبُ المالَ الهِدانُ الجافِى (٩) *


(١) في النسخ: "وأُمِرتُ". وقد أثبتنا نص التلاوة.
(٢) في في م: "أيهما".
(٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "معها".
(٤) في م: "ذكروا".
(٥) معاني القرآن (١/ ٢٦٢)، وخزانة الأدب (١/ ١٦، ٨/ ٤٨١، ٤٨٤ - ٤٨٧)، غير منسوب لقائله.
(٦) في م: "ببلقاء".
(٧) الشَّنّ: القِرْبة الخلَق الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من غيرها. والبيداء: الفلاة؛ وهى الأرض الواسعة المُقْفِرة. والبلقع: الخالى من كل شيء. ينظر الوسيط (ش ن ن)، (ب ي د)، (ف ل و)، (بلقع).
(٨) ديوان العجاج ص ١١٢، ومعاني القرآن (١/ ٢٦٢) - ونَسَبه لرؤبة ولم نجده في ديوانه - ولسان العرب (ص ر ف)، (ع ص ف)، (هـ د ن) - ونسبه للعجاج في الموضعين الأولين ولرؤبة في الثالث -، وخزانة الأدب (٨/ ٤٨٦)، ونسبه لرؤبة أيضًا. ولم يذكر كلا البيتين إلا صاحب اللسان. وهما من قصيدة يعاتب فيها ولده رؤبة، ولعل ذلك ما سبَّب الخلط، والصحيح أنها للعجاج كما أثبت ذلك صاحب اللسان.
(٩) الهدان: الأحمق الجافى الوخم الثقيل في الحرب. اللسان (هـ د ن).