للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحلَّ طعامَ أهلِ الكتابِ (١).

قال أبو جعفرٍ: وأولى هذين القولين بالصوابِ في ذلك، قولُ السديِّ؛ وذلك أن الله تعالى ذكرُه حرَّم أكْلَ أموالِنا بينَنا بالباطلِ. ولا خلافَ بينَ المسلمين أن أكلَ ذلك حرامٌ علينا، فإن الله لم يُحِلُّ قَطُّ أكلَ الأموالِ بالباطلِ.

وإذا كان ذلك كذلك، فلا معنَى لقولِ مَن قال: كان ذلك نهيًا عن أكلِ الرجلِ طعامَ أخيه قِرًى، على وَجْهِ ما أُذِن له، ثم نُسِخ ذلك. لنقلِ علماءِ الأمةِ جميعًا وجُهَّالِها؛ أن قِرَى الأضيافِ وإطعامَ الطعامِ كان مِن حميدِ أفعالِ أهلِ الشركِ والإسلامِ، التي حَمِد اللهُ أهلَها عليها (٢) ونَدَبَهم إليها، وأن الله لم يُحَرِّمْ ذلك في عصرٍ مِن العصورِ، بل ندَب اللهُ عبادَه وحَثَّهم عليه. وإذا كان ذلك كذلك، فهو من معنى الأكْلِ بالباطلِ خارجٌ، ومِن أنْ يَكُونَ ناسخًا أو منسوخًا بمَعْزِلٍ؛ لأن النَّسْخَ إنما يَكُونُ لمنسوخٍ، ولم يَثْبتِ النهيُ عنه، فيَجُوزَ أن يَكُونَ منسوخًا بالإباحةِ. وإذا كان ذلك كذلك، صحَّ القولُ الذي قلناه - من أن الباطلَ الذي نهَى اللهُ عن أكلِ الأموالِ به، هو ما وَصَفْنا مما حرَّمه على عبادِه في تنزيلِه، أو على لسانِ رسولِه Object وفَسَد (٣) ما خالَفه. واخْتَلَفت القرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾؛ فقرَأها بعضُهم: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ). رَفْعًا (٤)، بمعنى: إلا أن تُوجَدَ تجارةٌ، أو: تَقَعَ تجارةٌ، عن تراضٍ منكم، فيَحِلَّ لكم أكلُها حينَئذٍ بذلك المعنى. ومذهبُ مَن قرأ ذلك على هذا الوجهِ (٥)، أَنَّ "تكونَ" تامَّةٌ


(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٤٣ إلى المصنف مختصرًا.
(٢) في م: "عليهم".
(٣) في م: "شد"، وفى س: "فساد".
(٤) قرأ بذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر. السبعة في القراءات ص ٢٣١، وحجة القراءات ص ١٩٩.
(٥) بعده في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "إلا".