للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني أحمدُ بنُ محمدٍ الطُّوسيُّ، قال: ثنا أبو داودَ الطيالسيُّ، قال: ثنا سليمانُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا سِماكٌ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ، أن النبيَّ بايَع رجلًا ثم قال له: "اخْتَرْ". فقال: قد اخْتَرْتُ. فقال: "هكذا البيعُ" (١).

قالوا: فالتجارةُ عن تراضٍ، هو ما كان على ما بيَّنه النبيُّ مِن تَخْيِيرِ كلِّ واحدٍ مِن المُشترى والبائعِ في إمضاءِ البيعِ فيما يَتَبَايَعانِه بينَهما، أو نقضِه بعدَ عقدِ البيعِ بينَهما وقبلَ الافتراقِ، أو ما تفرَّقا عنه بأبدانِهما عن تراضٍ منهما بعدَ مُواجَبَةِ البيعِ فيه عن مجلِسِهما. فما كان بخلافِ ذلك، فليس مِن التجارةِ التي كانت بينَهما عن تراضٍ منهما.

وقال آخرون: بل التراضى في التجارةِ تَواجُبُ عقدِ البيع فيما تَبايَعَه المتبايعان بينَهما، عن رِضًا مِن كلِّ واحدٍ منهما ما مُلِّك عليه صاحبُه، ومَلَّك صاحبَه عليه، افْتَرَقا عن مجلسِهما ذلك أو لم يَفْتَرِقا، تَخايَرا في المجلسِ أو لم يَتَخَايَرا فيه بعدَ عَقْدِه.

وعلةُ من قال هذه المقالةَ، أن البيعَ إنما هو بالقولِ، كما أن النكاحَ بالقولِ، ولا خلافَ بينَ أهلِ العلمِ في الإجبارِ في النكاحِ لأحدِ المُتَناكِحَين على صاحبِه، افْتَرَقا أو لم يَفْتَرِقا عن مجلسِهما الذي جرَى ذلك فيه. قالوا: فكذلك حكمُ البيعِ. وتأوَّلوا قولَ النبيِّ : "البيِّعان بالخيارِ ما لم يَتَفَرَّقا". على أنه: ما لم يَتَفَرَّقا بالقولِ. وممن قال هذه المقالةَ مالكُ بنُ أنسٍ وأبو حنيفةَ وأبو يوسفَ ومحمدٌ (٢).


(١) أخرجه الطيالسي (٢٧٩٧)، ومن طريقه البزار (١٢٨٣ - كشف)، وابن عدي ٣/ ١١٢٢، والبيهقي ٥/ ٢٧٠.
(٢) المدونة الكبرى ٤/ ١٨٨، والموطأ رواية محمد بن الحسن الشيباني ص ٢٥٣ عقب الحديث (٧٨٥)، والحجة على أهل المدينة ٢/ ٦٨٠ - ٦٩٤.