للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين بالصوابِ في ذلك عندَنا، قولُ مَن قال: إن التجارةَ التي هي عن تراضٍ بينَ المتبايعين، ما تفرَّق المتَبايِعان على المجلسِ - الذي تَوَاجَبا فيه بينَهما عُقْدةَ البيعِ - بأبدانِهما، عن تراضٍ منهما بالعقدِ الذي جرَى بينهما، وعن تخييرِ كلِّ واحدٍ منهما صاحبَه؛ لصحةِ الخبرِ عن رسولِ اللهِ بما حدَّثني يعقوبُ بنُ إبراهيمَ، قال: ثنا ابن عُلَيَّةَ، قال: أخبرَنا أيوبُ، وحدَّثنا ابن بشارٍ، قال: ثنا عبدُ الوهابِ، قال: ثنا أيوبُ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ، قال: قال رسولُ اللهِ : "البَيِّعان بالخيارِ ما لم يَتَفَرَّقا، أو يَكونُ بيعَ خيارٍ". وربما قال: "أو يَقُولُ أحدهما للآخَرِ: اخْترْ" (١).

فإذ كان ذلك عن رسولِ اللهِ صحيحًا، فليس يَخْلو قولُ أحدِ المُتبابِعَين لصاحبِه: اخْتَر. مِن أن يَكُونَ قبلَ عقدِ البيعِ أو معه أو بعدَه؛ فإن يَكُنْ قبلَه، فذلك الخَلْفُ مِن الكلامِ (٢) الذي لا معنى له؛ لأنه لم يَمْلِكْ قبلَ عقدِ البيعِ أحدُ المُتبايِعَين على صاحبِه، ما لم يَكُنْ له مالكًا، فيَكُونَ لتخييرِه صاحبَه فيما مَلَك (٣) عليه وجهٌ مفهومٌ، ولا فيهما مَن يَجْهَلُ أنه بالخيارِ في تمليكِ صاحبِه ما هو له غيرُ مالكٍ بعِوَضٍ يَعْتاضُه منه، فيقالُ له: أنت بالخيارِ فيما تُريدُ أن تُحدِثَهُ مِن بيعٍ أو شراءٍ. أو يَكُونَ - إن بطَل هذا المعنى - تخييرُ كلِّ واحدٍ منهما صاحبَه مع عقدِ البيعِ، ومعنى التخييرِ في تلك الحال نظيرُ معنى التخييرِ قبلَها؛ لأنها حالةٌ لم يَزُلْ فيها عن (٤) أحدِهما ما كان مالكَه قبلَ ذلك إلى صاحبِه، فيكون للتخييرِ وجهٌ مفهومٌ، أو يكونَ ذلك بعدَ


(١) أخرجه أحمد ٨/ ٦٤ (٤٤٨٤)، ومسلم (١٥٣١)، والنسائى (٤٤٨٢) من طريق ابن علية به.
(٢) الخلف من الكلام: الردئ من القول. ينظر الوسيط (خ ل ف).
(٣) في م: "يملك".
(٤) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "عين".