للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه يقالُ: تغشَّاني (١) الهمُّ. إذا تجلَّله وركِبه. ومنه قولُ نابغةِ بني ذُبْيانَ (٢):

هَلَّا سألْتِ بَنِي ذُبْيانَ ما حَسَبي … إذَا الدُّخَانُ تَغَشَّى الأَشْمَطَ البَرَما (٣)

يعني بذلك (٤): تجلَّله وخالَطه.

وإنما أخْبَر اللَّهُ تعالى ذِكْرُه نبيَّه عن الذين كفَروا به مِن أحبارِ اليهودِ، أنه قد ختَم على قلوبِهم وطبَع عليها، فلا يَعْقِلون للَّهِ موعظةً وعظَهم بها، فيما آتاهم مِن علمِ ما عندَهم مِن كتبِه، وفيما حدَّد في كتابِه الذي أوْحاه وأنْزَله إلى نبيِّه محمدٍ ، وعلى سمعِهم، فلا يَسْمَعون مِن محمدٍ نبيِّ اللَّهِ تحذيرًا ولا تذكيرًا، ولا حُجةً أقامها عليهم بنبوَّتِه، فيتذكَّروا ويحذَروا عقابَ اللَّهِ في تكذيبِهم إيَّاه، مع علمِهم بصدقِه وصحَّةِ أمرِه. وأعْلَمه مع ذلك أن على أبصارِهم غِشاوةً عن (٥) أن يُبْصِروا سبيلَ الهُدَى، فيَعْلَموا قَبيحَ (٦) ما هم عليه من الضلالةِ والرَّدَى.

وبنحوِ ما قلنا في ذلك رُوِي الخبرُ عن جماعةٍ مِن أهلِ التأويلِ.

حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: حدَّثنا سَلَمةُ، عن محمدِ بنِ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾. أي: عن الهُدَى أن يُصيبوه أبدًا [بغيرِ ما] (٧) كذَّبوك به مِن الحقِّ الذي جاءك مِن ربِّك، حتى يؤمنوا


(١) في م: "تغشاه".
(٢) ديوانه ص ١٠٦.
(٣) البرم: الذي لا يدخل مع القوم في الميسر. اللسان (ب ر م).
(٤) بعده في م: "إذا".
(٥) في ص: "من".
(٦) في ص، م: "قبح".
(٧) في سيرة ابن هشام: "يعني بما".