للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في مَنْطِقِه -إذا قال الهُجْرَ، وهو الفُحْشُ من الكلامِ- يُهْجِرُ إهجارًا وهُجْرًا.

فإذ كان لا وَجْهَ الهَجْرِ في الكلامِ إلا أحدَ المعاني الثلاثةِ، وكانت المرأةُ المخوفَ نُشورُها، إنما أُمِر زوجُها بوَعْظِها لتُنِيبَ إلى طاعتِه فيما يجبُ عليها له من مُوافاتِه عندَ دعائه إياها إلى فِراشِه -فغيرُ جائزٍ أن تكونَ عِظَتُه لذلك، ثم تَصيرُ المرأةُ إلى أمرِ اللَّهِ وطاعةِ زوجِها في ذلك، ثم يكونُ الزوجُ مأمورًا بهَجْرِها في الأمرِ الذي كانت عِظَتُه إياها عليه.

وإذ كان ذلك كذلك، بَطَل قولُ مَن قال: معنى قولِه: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾: واهجُروا جِماعَهن.

أو يكونُ -إذ بطَل هذا المعنى- بمعنَى (١): واهجُروا كلامهنَّ بسببِ هَجْرِهن مَضاجِعَكم. وذلك أيضًا لا وَجْهَ له مفهومٌ؛ لأن اللَّه تعالى ذكرُه قد أخبر على لسانِ نبيِّه أنه لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهْجُرَ أخاه فوقَ ثلاثٍ (٢). على أن ذلك لو كان حَلالًا لم يكنْ لهَجْرِها في الكلامِ معنًى مفهومٌ؛ لأنها إذا كانت عنه مُنصرِفةٌ، وعليه ناشِزًا، فمن سُرورِها ألا يُكلِّمها ولا يَراها ولا تَراه، فكيف يُؤْمَرُ الرجلُ في حالِ بُغْضِ امرأتِه إياه، وانصِرافِها عنه بتَرْكِ ما في تَرْكِه سُرورُها مِن تَرْكِ جِماعِها ومُحَادَثَتِها (٣) وتَكْليمِها، وهو يُؤمَرُ بِضَرْبِها لتَرْتدِعَ عما هي عليه؛ من تَرْكِ [طاعةِ اللَّهِ في تركِ] (٤) طاعته إذا دَعاها إلى فِراشِه، وغيرِ ذلك مما يَلزَمُها طاعتُه فيه.

أو يكونُ -إذ فَسَد هذان الوجهان- يكونُ معناه: واهجُروا في قولِكم لهم.


(١) في النسخ: "فمعنى". والمثبت صواب السياق.
(٢) أخرجه البخارى (٦٠٧٦) من حديث أنس، وفى (٦٠٧٧) من حديث أبي أيوب.
(٣) في م: "مجاذبتها".
(٤) سقط من: م.