للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعنى: رَدِّدُوا عليهنَّ كلامَكم إذا كَلَّمْتُموهنَّ بالتَّغليظِ لهنَّ. فإن كان ذلك معناه، فلا وَجْهَ لإعمالِ الهَجْرِ في كنايةِ أسماءِ النساءِ الناشزاتِ -أعنى في الهاءِ والنونِ مِن قوله: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ﴾. لأنه إذا أُرِيد به ذلك المعنى، كان الفعلُ غيرَ واقعٍ (١)، إنما يقالُ: هَجَر فلانٌ في كلامِه. ولا يقالُ: هَجَرَ فلانٌ فلانًا.

فإذ كان في كلِّ هذه المعانى ما ذَكَرنا من الخَلَلِ اللاحِقِ، فأَولى الأقوالِ بالصوابِ في ذلك أن يكونَ قوله: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ﴾. مُوَجَّها معناه إلى معنى الرَّبْطِ بالهِجَارِ، على ما ذكَرنا من قبلِ العربِ للبعيرِ إذا رَبَطه صاحبُه بحبلٍ على ما وَصَفنا: هَجَره فهو يَهْجُرُه هَجْرًا (٢).

وإذا كان ذلك معناه، كان تأويلُ الكلامِ: واللاتى تَخافون نُشُوزَهنّ: فعِظُوهُنَّ في نُشُورهنَّ عليكم، فإن اتَّعَطِّنَ فلا سبيلَ لكم عليهنَّ، وإِن أَبَيْنَ الأَوْبةَ من نُشوزهن، فاستوثقوا منهنَّ رِباطًا في مَضاجِعِهِنَّ (٣). يعني: في مَنازِلِهِنَّ وبُيُوتِهِنَّ التي يَضْطَجِعن فيها ويُضاجِعْنَ فيها أزواجَهنَّ.

كما حدَّثني عباسُ بنُ أبي طالبٍ، قال: ثنا يحيى بنُ أبى بُكَيرٍ، عن شِبْلٍ، قال: سمِعتُ أبا قَرَعَةَ يُحدِّثُ عن (٤) عمرِو بنِ دينارٍ، عن حكيمِ بنِ مُعاويةً، عن أبيه، أنه جاء إلى النبيِّ فقال: ما حَقُّ زوجةِ أحدِنا عليه؟ قال: "يُطْعِمُها،


(١) غير واقع يعنى لازما والفعل الواقع: هو المتعدى. المصطلح النحوى ص ١٨٠.
(٢) رد العلماء على المصنف في اختياره هذا القولُ في تفسير قولِه تعالى: ﴿فاهجروهن﴾ ينظر مثلًا أحكام القرآن لابن العربى ١/ ٤١٨ وما بعدها، والكشاف ١/ ٥٢٤، ٥٢٥.
(٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مضاجعتهن".
(٤) قوله: "عن". كذا في النسخ ومطبوعة مسند أحمد، والصواب حذفها كما في مخطوطة الرياض من المسند -ذكره الشيخ شاكر- وتفسير النسائي، ومعجم الطبرانى. وينظر أطراف المسند ٥/ ٣٢٦ (٧٢٣٥).