للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد سُمُّوا لنا بأسمائِهم، كرِهنا تطويلَ الكتابِ بذكرِ أسمائِهم وأنسابِهم، وظاهَروهم على ذلك في خَفاءٍ غيرِ جِهارٍ؛ حِذارَ القتلِ على أنفسِهم والسِّباءِ مِن رسولِ اللَّهِ وأصحابِه، وركونًا إلى اليهودِ، لما هم عليه من الشركِ وسوءِ البصيرةِ بالإسلامِ. فكانوا إذا لَقُوا رسولَ اللَّهِ وأهلَ الإيمانِ به مِن أصحابِه، قالوا لهم حِذارًا على أنفسِهم: إنَّا مؤمنون باللَّهِ وبرسولِه وبالبعثِ. وأعَطَوهم بألسنتِهم كلمةَ الحقِّ ليَدْرءوا عن أنفسِهم حكمَ اللَّهِ في من اعْتَقد ما هم عليه مقيمون من الشركِ، لو أَظْهروا بألسنتِهم ما هم معتقدوه مِن شركِهم، وإذا لَقُوا إخوانَهم مِن اليهودِ وأهلِ الشركِ والتكذيبِ بمحمدٍ وبما جاء به، فخَلَوا بهم: ﴿قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾. فإيَّاهم عَنى جلَّ ذكرُه بقولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. يعني بقولِه تعالى خبرًا عنهم: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ﴾: صدَّقنا (١) باللَّهِ.

وقد دلَّلنا على أن معنى الإيمانِ التصديقُ، فيما مضَى مِن كتابِنا هذا قبلُ (٢).

وقولُه: ﴿وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾. يعني بالبعثِ يومَ القيامةِ، وإنما سُمِّي يومُ القيامةِ اليومَ الآخرَ؛ لأنه آخرُ يومٍ، لا يومَ بعدَه سواه.

فإن قال قائلٌ: وكيف لا يكونُ بعدَه يومٌ، ولا انقطاعَ للآخرةِ ولا فناءَ ولا زوالَ؟

قيل: إن اليومَ عندَ العربِ إنما يُسَمَّى يومًا بليلتِه التي قبلَه، فإذا لم يتقدَّمِ النهارَ ليلٌ لم يُسَمَّ يومًا. فيومُ القيامةِ يومٌ لا ليلَ (٣) بعدَه، سوى الليلةِ التي قامت في


(١) في م: "وصدقنا".
(٢) زيادة من: ر. وينظر ما تقدم في ص ٢٤٠، ٢٤١.
(٣) بعده في ص، م: "له".