للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال آخرون (١): بل معنى ذلك: مِن قَبْلِ أن نَطْمِسَ وجوهًا فَنَمْحُو آثارَها ونُسَوِّيَها، ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾: بأن نجعلَ الوجوهَ مَنابِتَ للشَّعَرِ، كما وجوهُ القِرَدةِ مَنابِتُ للشَّعَرِ؛ لأن شُعورَ بنى آدمَ في أدبارِ وجوهِهم، فقالوا: إذا أنْبَتَ الشُّعورَ في وجوهِهم، فقد رَدَّها على أدبارِها، بتَصْييرِه إيَّاها كالأقفاءِ وأدبارِ الوجوهِ (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأَولى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مِن قال: معنى قولِه: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا﴾: مِن قبل أن نَطْمِسَ أبصارَها، ونَمْحُو آثارَها، فنُسَوِّيها كالأقْفاءِ، ﴿فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾: فنَجْعلَ أبصارَها في أدبارِها.

يعنى بذلك: فنَجعَلَ الوجوهَ في أدبارِ الوجوهِ، فيكونُ معناه: فنُحوِّلَ الوجوهَ أقْفاءِ، والأقفاءَ وجوهًا، فيَمْشوا (٣) القَهْقَرَى. كما قال ابن عباسٍ وعطيةُ ومَن قال ذلك.

وإنما قُلنا ذلك أولى بالصوابِ؛ لأن الله جلَّ ثناؤه خاطَب بهذه الآيةِ اليهودَ الذين وَصَف صفتَهم بقولِه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ﴾. ثم حَذَّرهم تعالى ذكرُه بقولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا﴾. الآيةَ بأسَه وسَطُوتَه، وتَعْجيلَ عِقابِه لهم، إن هم لم يُؤْمِنوا بما أمَرهم بالإيمانِ به، ولا شَكّ


= إلى الشام من حيث جاءت ردوا إليه. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٦٩ (٥٤١٨) عن يونس بن عبد الأعلى به، مثله، دون ذكر زيد بن أسلم.
(١) معاني القرآن للقراء ١/ ٢٧٢.
(٢) بعده في الأصل: "ذكر من قال ذلك".
(٣) في ص، م: "فيمشون".