الأحسنِ أو المثلِ، إلا في الموضعِ الذي خَصَّ شيئًا من ذلك سُنَّةٌ مِن رسولِ اللهِ ﷺ، فيكونُ مُسَلَّما لها، وقد خَصَّتِ السُّنَّةُ أهل الكفرِ بالنَّهْى عن رَدَّ الأحسنِ مِن تحيتِهم عليهم أو مثلِها، إلا بأن يُقالَ: وعليكم. فلا ينبغي لأحدٍ أن يَتَعدَّى ما حَدَّ في ذلك رسولُ اللهِ ﷺ، فأما أهلُ الإسلامِ فإنّ لمَن سُلِّم عليه منهم في الردِّ مِن الخيارِ ما جعَل اللهُ له من ذلك.
وقد رُوِى عن رسولِ اللهِ ﷺ في تأويلِ ذلك بنحوِ ما قلنا خَبَرٌ.
وذلك ما حدَّثني موسى بنُ سهلٍ الرَّمْلِيُّ، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ السَّرِيِّ الأنْطَاكِيُّ، قال: ثنا هشامُ بن لاحقٍ، عن عاصمٍ الأحولِ، عن أبي عثمانَ النَّهْدِيِّ، عن سَلْمانَ الفارسيِّ، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ، فقال: السلامُ عليك يا رسولُ اللهِ. فقال:"وعَلَيكَ ورحمةُ اللهِ". ثم أتى آخَرُ فقال: السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ورحمةُ اللهِ. فقال له رسولُ اللهِ ﷺ:"وعَلَيك ورحمةُ اللهِ وَبَرَكاتُه". ثم جاء آخَرُ فقال: السلامُ عليك يا رسولَ اللهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه. فقال له:"وعَلَيكَ". فقال له الرجلُ: يا نبيَّ الله، بأبي أنت وأمى، أتاك فلانٌ وفلانٌ، فَسَلَّما عليك، فرَدَدْتَ عليهما أكثر مما رَدَدْتَ عليَّ؟ فقال:"إنكَ لم تَدَعْ لنا شيئًا، قال اللهُ: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾. فرَدَدْناها عليكَ"(١).
فإن قال قائلٌ: أفواجبٌ رَدُّ التَّحِيةِ على ما أمَر اللهُ في كتابِه؟ قيل: نعم، وبه كان يقولُ جماعةٌ من المُتَقدِّمِين.
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ١٠٢٠، ١٠٢١ (٥٧٢٦) من طريق الأنطاكي به، وأخرجه أحمد في الزهد - كما في الدر المنثور ٢/ ١٨٨ - ومن طريقه الطبراني (٦١١٤) عن هشام بن لاحق به. قال الهيثمي في المجمع ٨/ ٣٣ هشام بن لاحق قواه النسائي وترك أحمد حديثه. وينظر الميزان ٤/ ٣٠٦. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٨٨ إلى ابن المنذر وابن مردويه.