للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثنا الحسنُ بنُ يحيى، قال: أخبرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبرنا ابن عُيَيْنةَ، عن أبى الزِّنادِ، قال سمِعتُ رجلًا يُحَدِّثُ خارجةَ بنَ زيدٍ، قال: سمِعتُ أباك في هذا المكانِ بمنًى يقولُ: نزَلت الشديدةُ بعدَ الهَيِّنَةِ. يقولُ: أُراهُ بستةِ أشهرٍ، يعنى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا﴾. بعدَ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾. (١) [النساء: ٤٨، ١١٦].

حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سلَمةَ بن نُبَيْطٍ، عن الضحَّاكِ بن مُزاحِمٍ، قال: ما نسَخها شيءٌ منذُ نزَلت، وليس له توبةٌ (٢).

قال أبو جعفرٍ: وأَوْلَى الأقوالِ في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معناه: ومَن يَقْتُل مؤمنًا مُتَعَمِّدًا فجزاؤُه - إنْ جزاه - جهنَّمُ خالدًا فيها، ولكنه يعفو ويَتَفَضَّلُ على أهلِ الإيمانِ به وبرسولِه، فلا يُجازيهم بالخلودِ فيها، ولكنه تعالى ذكرُه، إما أن يَعْفُوَ بفضلِه فلا يُدْخِلَه النارَ، وإِمَّا أَن يُدْخِلَه إيَّاها ثم يُخْرِجَه منها بفضلِ رحمتِه؛ لما سلَف مِن وعدِه عبادَه المؤمنين بقولِه: ﴿يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٥٣].

فإن ظنَّ ظانٌّ أن القاتلَ إن وجَب أن يكونَ داخلًا في هذه الآيةِ، فقد يَجِبُ أن يكونَ المُشْرِكُ داخلًا فيه؛ لأن الشركَ من الذنوبِ، فإن الله قد أَخْبَر جلَّ ثناؤُه أنه غيرُ غافرٍ الشركَ لأحدٍ بقولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ١٦٨، وكذا جعل عبد الرزاق في روايته للحديث عن ابن عيينة قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ بدل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ فخالف سعيد بن منصور ويحيى بن آدم وابن المقرئ - كما سبق في تخريج الحديث السابق - فجميع هؤلاء الثلاثة رووه عن ابن عيينة بذكر آية الفرقان بدل آية النساء، وهو الصواب.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٩/ ٣٥٧، ٣٥٨ عن وكيع به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٩٧ إلى عبد بن حميد.