للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والكفرِ به، كما يقالُ: إن فلانًا ليُهْزَأُ منه (١) اليومَ، ويُسخرُ منه. يُرادُ به توبيخُ الناسِ إيَّاه ولومُهم له. أو (٢) إهلاكُه إيَّاهم وتدميرُه بهم، كما قال عَبِيدُ بنُ الأبْرَصِ (٣):

سَائِلْ بنا حُجْرَ ابنِ أُمِّ قَطَامِ إذْ … ظلَّت به السُّمْرُ النواهِلُ (٤) تَلعبُ

فزعَموا أن السُّمْرَ - وهي القَنَا - لا لَعِبَ منها، ولكنها لما قتَلَتهم وشرَّدتهم، جعَل ذلك من فعلِها لعبًا بمن فعَلَت ذلك به. قالوا: فكذلك استهزاءُ الله جلَّ ثناؤُه بمَن اسْتَهزَأ به من أهلِ النِّفاقِ والكفرِ به، إما إهلاكُه إيَّاهم وتدميرُه بهم، وإما إملاؤُه لهم ليأخُذَهم في حالِ أمنِهم عندَ أنفسِهم بَغتةً، أو توبيخُه لهم ولائمتُه إيَّاهم. قالوا: وكذلك معنى المكرِ منه والخديعةِ والسُّخريةِ.

وقال آخرون: قولُه: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾. على الجوابِ، كقولِ الرجلِ لمن كان يخدَعُه إذا ظَفِر به: أنا الذي خدَعتُك. ولم تكنْ منه خديعةٌ، ولكن قال ذلك إذ صار الأمرُ إليه. قالوا: وكذلك قولُه: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ﴾ [آل عمران: ٥٤]، و ﴿اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾.

على الجوابِ، واللهُ لا يكونُ منه المكرُ ولا الهُزْءُ. والمعنى عندَهم (٥) أن المكرَ والهُزْءَ حاقَ بهم.


(١) بعده في ر: "منذ".
(٢) في ص، ر، ت ٢: "و".
والضمير في قوله: إهلاكه إياهم وتدميرهم. عائد على الله سبحانه، وهو معطوف على قوله: توبيخه إياهم.
(٣) ديوانه ص ٧.
(٤) النواهل، جمع الناهل والناهلة: وهي الإبل العطاش، تشبه بها الرماح، كأنها تعطش إلى الدم. التاج (ن هـ ل).
(٥) زيادة من: ر.