للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيُّ شيءٍ وَضَعْتَ في الأرضِ أقلَّ؟ قال: العَدْلُ أقلُّ ما وَضَعتُ في الأرضِ، فلا يَمْنَعَنَّكَ غِنَى غنيٍّ، ولا فَقْرُ فقَيرٍ، أن تَشهَدَ عليه بما تَعْلَمُ، فإن ذلك عليك مِن الحقِّ. وقال جل ثناؤه: ﴿فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ (١).

وقد قيل: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾. الآية، أرِيدَ: فاللَّهُ أوْلى بغِنَى الغَنِيِّ، وفَقْرِ الفقيرِ؛ لأن ذلك منه لا مِن غيرِه؛ فلذلك قيل: ﴿بِهِمَا﴾ ولم يُقَلْ: به.

وقال آخرون: إنما قيل: ﴿بِهِمَا﴾؛ لأنه قال: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا﴾. فلم يَقصِدْ فقيرًا بعَيْنِه، ولا غَنِيًّا بعَيْنِه، وهو مجهولٌ، وإذا كان مجهولًا، جازَ الرَّدُّ عليه (٢) بالتوحيدِ والتثنيةِ والجمعِ. وذَكَر قائلو هذا القولِ أنه في قراءةِ أبَيٍّ: (فاللهُ أوْلى بِهِمْ) (٣).

وقال آخرون: "أو"، بمعنى "الواوِ" في هذا الموضعِ.

وقال آخرون: جازَ تَثْنِيةُ قولِه: ﴿بِهِمَا﴾. لأنهما قد ذُكِرا، كما قيل: ﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: ١٢]. وقيل: جازَ ذلك؛ لأنه أضْمَر فيه "مَن"، كأنه قيل: إن يكنْ مَن خاصَم غَنِيًّا أو فقيرًا. بمعنى: غَنِيَّين أو فقيرَين، فاللهُ أوْلى بهما.

فتأويلُ قولِه: ﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾. [على ما ذكَرنا من أقوالِ من ذكرنا قولَه: فلا تَتَّبعِوا الهَوَى في أن تَعْدِلوا] (٤) عن الحقِّ، فَتَجُوروا بتَرْكِ إقامةِ الشهادةِ


(١) أخرجه ابن أبي حاتم ٤/ ١٠٨٧ (٦٠٨١) من طريق يزيد بن زريع ببعضه. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٣٤ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) في ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "منه".
(٣) هي قراءة شاذة، وينظر البحر المحيط ٣/ ٣٧٠.
(٤) سقط من: م.