للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أتَيْنا على ذكرِ السببِ الذى مِن أجلِه اتَّخَذوا العجلَ، وكيف كان أمْرُهم وأمْرُه، فيما مضَى بما فيه الكِفايةُ (١).

وقولُه: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾. يعنى: مِن بعد ما جاءَت هؤلاء الذين سأَلوا موسى ما سأَلوا البَيِّناتُ مِن اللهِ، والدَّلالاتُ الواضحاتُ بأنهم لن يَرَوُا اللهَ عِيانًا جهارًا. وإنما عُنِى بالبيناتِ: أنها آياتٌ تُبِينُ عن أنهم لن يَرَوُا اللهَ في أيامِ حَياتِهم في الدنيا جَهْرةً، وكانت تلك الآياتُ البيناتُ لهم على أن ذلك كذلك؛ [إصْعاقُ اللهِ إياهم عندَ] (٢) مسألتِهم موسى أن يُرِيَهم ربَّهم جَهْرةً، ثم إحْياؤُه إياهم بعدَ مماتِهم، مع سائرِ الآيات التي أَراهم اللهُ- دلالةً على ذلك.

يقولُ اللهُ جلّ ثناؤُه مُقبِّحًا إليهم فعْلَهم ذلك، ومُوَضِّحًا لعبادِه جهلَهم، ونقصَ عقولِهم وأحلامِهم: ثم أقَرُّوا للعجلِ بأنه لهم إلهٌ، وهم يَرَوْنَه عِيانًا، ويَنْظُرون إليه جِهارًا بعدَ ما أراهم ربُّهم مِن الآياتِ البيناتِ ما أراهم، أنهم لا يَرَوْن رَبَّهم جَهْرةً وعِيانًا في حياتِهم الدنيا، فعكَفوا على عبادتِه، مُصَدِّقِين بأُلوهتِه.

وقولُه: ﴿فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ﴾. يقولُ: فعفَوْنا لعَبَدةِ العجلِ عن عبادتِهم إياه، وللمُصَدِّقين منهم بأنه إلهُهم، بعدَ الذى أراهم اللهُ، أنهم لا يَرَوْن ربَّهم في حياتِهم، مِن الآياتِ ما أراهم عن تَصْديقِهم بذلك بالتوبةِ التي تابوها إلى ربِّهم، بقتلِهم أنفسَهم، وصبرِهم فى ذلك على أمرِ ربِّهم، ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا﴾. يقولُ: وآتَيْنا موسى حُجَّةً تُبِينُ عن صدقِه وحقيقَةِ نُبُوَّتِه، وتلك الحُجَّةُ هي الآياتُ البَيِّناتُ التي آتاه اللهُ إياها.


(١) تقدم فى ١/ ٦٦٩ وما بعدها.
(٢) في الأصل: "إصداق الله إياهم عن".