للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدَّثني يونسُ بنُ عبدِ الأعلى، قال: أخْبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: حدَّثني عبدُ الرحمنِ بنُ زيدٍ في قولِه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ إلى آخرِ الآيةِ.

قال: هذه صفةُ المنافقين، كانوا قد آمَنوا حتى أضاء الإيمانُ في قلوبِهم، كما أضاءت النارُ لهؤلاء الذين اسْتَوْقَدوا، ثم كفَروا فذَهب اللهُ بنورِهم، فانْتَزَعه كما ذهَب بضوءِ هذه النارِ، فترَكهم في ظلماتٍ لا يُبْصِرون (١).

وأوْلى التأويلاتِ بالآيةِ ما قاله قتادةُ والضحَّاكُ، وما رواه عليُّ بنُ أبي طلحةَ عن ابنِ عباسٍ، وذلك أن اللهَ جلَّ ثناؤُه إنما ضرَب هذا المثلَ للمنافقين الذين وصَف صفتَهم وقصَّ قَصَصَهم، من لدنِ ابْتَدأ بذكرِهم بقولِه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ (٢)﴾ لا [للمُعالِنين بالكفرِ] (٣) المجاهرين بالشركِ. ولو كان المثلُ لمن آمَن إيمانًا صحيحًا ثم أعْلن بالكفرِ (٤) إعلانًا صحيحًا - على ما ظنَّ المتأوِّلُ قولَ اللهِ جلَّ ثناؤُه: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ أن ضوءَ النارِ (٥) مثَلٌ لإيمانِهم الذي كان منهم عندَه على صحةٍ، وأن ذَهابَ نورِهم مثَلٌ لارتدادِهم وإعلانِهم الكفرَ على صحةٍ - لم يكنْ هناك من القومِ خِداعٌ ولا استهزاءٌ عندَ أنفسِهم ولا نِفاقٌ. وأنَّى يكونُ خِداعٌ ونفاقٌ ممَّن لم يُبدِ لك قولًا ولا فعلًا إلا ما أوْجَب لك العلمَ بحالِه التي هو لك عليها، وبعزيمةِ نفسِه التي هو مقيمٌ عليها؟ إن هذا لغيرِ (٦) شكٍّ من النِّفاقِ بعيدٌ،


(١) ذكره ابن كثير في تفسيره ١/ ٨١ عن ابن زيد.
(٢) بعده في م: "أي".
(٣) في ر: "المعالنين الكفر"، وفي م: "المعلنين بالكفر".
(٤) في ص، ت ٢: "الكفر".
(٥) في ت ١: "النهار".
(٦) في ت ١، م: "بغير".