للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الخِداعِ برئٌ، وإن (١) كان القومُ لم تكنْ لهم إلا حالتان؛ حالُ إيمانٍ ظاهرٍ، وحالُ كفرٍ ظاهرٍ، فقد سَقَط عن القومِ اسمُ النفاقِ؛ لأنهم في حالِ إيمانِهم الصحيحِ كانوا مؤمنين، وفي حالِ كفرِهم الصحيحِ كانوا كافرين، ولا حالةَ هنالك ثالثةً كانوا بها منافقين. وفي وصفِ اللهِ جلَّ ثناؤُه إيَّاهم بصفةِ النفاقِ ما يُنْبئُ عن أن القولَ غيرُ القولِ الذي زعَمه مَن زعَم أن القومَ كانوا مؤمنين ثم ارتدُّوا إلى الكفرِ فأقاموا عليه، إلا أن يكونَ قائلُ ذلك أراد أنهم انْتَقلوا من إيمانِهم الذي كانوا عليه إلى الكفرِ الذي هو نفاقٌ، وذلك قولٌ إن قاله، لم تُدرَكْ صحتُه إلَّا بخَبَرٍ مستفيضٍ، أو ببعضِ المعاني الموجبةِ صحَّتَه. فأما في ظاهرِ الكتابِ، فلا دلالةَ على صحَّتِه؛ لاحتمالِه من التأويلِ ما هو أوْلَى به منه.

فإذ كان الأمرُ على ما وصَفْنا في ذلك، فأوْلَى تأويلاتِ الآيةِ بالآيةِ: مثَلُ استضاءةِ المنافقين - بما أظْهَروا بألسنتِهم لرسولِ اللهِ من الإقرارِ به، وقولِهم له وللمؤمنين: آمَنَّا باللهِ وكتُبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ. حتى حُكِم لهم بذلك في عاجلِ الدنيا بحكمِ المسلمين في حقنِ الدماءِ والأموالِ، والأمنِ على الذرِّيَّةِ من السِّباءِ، وفي المناكحةِ والموارثةِ - كمثلِ استضاءةِ الموقِدِ النارَ بالنارِ، حتى (٢) ارْتَفق بضيائِها، وأبْصَر به (٣) ما حولَه مستضيئًا بنورِه من الظلمةِ، حتى خمَدت النارُ وانطفأت، فذهَب نورُه، وعاد المستضئُ به في ظلمةٍ وحَيْرةٍ.

وذلك أن المنافقَ لم يزَلْ مستضيئًا بضوءِ القولِ الذي دافعَ عنه في حياتِه القتلَ والسِّباءَ، مع استبطانِه ما كان مستوجِبًا به القتلَ وسلبَ المالِ لو أظْهَره بلسانِه، تُخَيِّلُ


(١) في ر: "فلو"، وفي ت ٢، م: "فإن".
(٢) بعده في ت ١: "إذا".
(٣) سقط من: ص، م.