للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما قلنا: ذلك أَوْلَى القولَين بالصوابِ؛ لأن الذين شهِدوا عيسى من الحواريِّين لو كانوا في حالِ ما رُفِع عيسى، وأُلْقِى شبهُه على مَن أُلْقِى عليه شبهُه، كانوا قد عايَنوا عيسى وهو يُرْفَعُ من بينِهم، وأثبَتوا الذى أُلْقِى عليه شبهُه، وعاينوه متحوِّلًا في صورتِه بعدَ الذي كان به من صورةِ نفسِه بمحضَرٍ منهم - لم يَحْفَ ذلك مِن أمرِ عيسى (١)، وأمرِ مَن أُلْقِى عليه شبهُه عليهم، مع معاينتِهم ذلك كلَّه، ولم يلتبسْ عليهم ولم يُشكل عليهم، وإن أشكل على غيرهم من أعدائهم من اليهود أن المقتولَ والمصلوبَ كان غيرَ عيسى، وأن عيسى رُفِع من بينِهم حيًّا، وكيف يجوزُ أن يكونَ كان أَشْكَل ذلك عليهم، وقد سمِعوا من عيسى مقالتَه: من يُلْقى عليه شبهى، ويكونَ رفيقى فى الجنةِ؟ إن كان قال لهم ذلك، وسمِعوا جوابَ مجيبِه منهم: أنا (٢). وعاينوا تحوُّلَ المجيبِ فى صورةِ عيسى بعَقِبِ جوابِه، ولكنّ ذلك كان إن شاء اللهُ على نحوِ ما وصَف وهبُ بنُ منبهٍ، إما أن يكونَ القومُ الذين كانوا مع عيسى في البيتِ الذى رُفِع منه من حواريِّه، حولَّهم اللهُ جميعًا في صورةِ عيسى حينَ أراد اللهُ رفعَه، فلم يَثَّبّتوا عيسى معرفةً بعينِه من غيرِه؛ لتشابهِ صُوَرٍ جميعِهم، فقتلت اليهودُ منهم مَن قتَلت، وهم يَرَونه بصورةِ عيسى، ويحسَبونه إيَّاه؛ لأنهم كانوا به عارفين قبلَ ذلك، وظنَّ الذين كانوا فى البيتِ مع عيسى، مثلَ الذي ظنَّت اليهودُ؛ لأنهم لم يُميِّزوا شخصَ عيسى من شخصِ غيرِه، لتشابِه شخصِه وشخصِ غيرِه، ممن كان معه فى البيتِ، فاتَّفَق جميعُهم -أعنى اليهودَ والنصارى مِن أجلِ ذلك- على أن المقتولَ كان عيسى، ولم يكنْ، ولكن شُبِّه لهم، كما قال اللهُ جلَّ ثناؤُه: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾، أو [يكونُ الأمرُ] (٣) في ذلك كان


(١) في الأصل: "شبهه".
(٢) فى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "إذا".
(٣) في الأصل: "تكون الآية".