للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من وجهين، والنصبُ من وجهين: فأما أحدُ وجهي الرفعِ: فعلى الاستئنافِ لما فيه من الذمِّ، وقد تفعَلُ العربُ ذلك في المدحِ والذمِّ، فتنصِبُ وترفَعُ وإن كان خبرًا عن معرفةٍ، كما قال الشاعر (١):

لا يَبْعَدَنْ (٢) قَوْمِي الَّذين هُمُ … سَمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ (٣)

النازِلينَ بكُلِّ مُعْتَرَكٍ … والطَّيبِين مَعاقِدَ الأُزْرِ

فيُرْوَى: "النازلون" و "النازِلين"، وكذلك "الطيِّبون" و "الطيِّبين"، على ما وصَفْتُ من المدحِ.

والوجهُ الآخرُ: على نيَّة التكريرِ من: ﴿أُولَئِكَ﴾. فيكونُ المعنى حينَئذٍ: أولئك الذين اشْتَرُوا الضلالةَ بالهدَى، فما رَبِحت تجارتُهم وما كانوا مهتدين، أولئك صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهم لا يرجِعون.

وأما أحدُ وجهي النصبِ: فأن يكون قطعَا مما في: ﴿مُهْتَدِينَ﴾ من ذكرِ ﴿أُولَئِكَ﴾، لأن الذي فيه من ذكرِهم معرفةٌ، والصمُّ نكرةٌ.

والآخرُ: أن يكونَ قطعًا من: ﴿الَّذِينَ﴾ لأنَّ ﴿الَّذِينَ﴾ معرفةٌ، والصمُّ نكرةٌ. وقد يجوزُ النصبُ فيه أيضًا على وجهِ الذمِّ، فيكونُ ذلك وجهًا من النصبِ ثالثًا.

فأمَّا على تأويلِ ما رَوَينا عن ابنِ عباسٍ من غيرِ وجهِ روايةِ عليِّ بنِ أبي طلحةَ عنه، فإنه لا يجوزُ فيه الرفعُ إلا من وجهٍ واحدٍ، وهو الاستئنافُ. وأما النصبُ فقد


(١) البيتان للخرنق بنت بدر بن هفان، وهما في ديوانها ص ٢٩.
(٢) يبعدن: يهلكن، من بعِد يبعَد. اللسان (ب ع د).
(٣) الجزر؛ جمع الجزور: وهي الناقة التي تنحر. اللسان (ج ز ر).