للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك لتطهيرِه إيَّاه من الذنوبِ، فقيل (١): مُسِح من الذنوبِ والأدناسِ التي تكونُ فى الآدميِّين، كما يُمْسَحُ الشيءُ من الأذَى الذى يكونُ فيه، فيطهَّرُ منه، ولذلك قال مجاهدٌ ومَن قال مثلَ قولِه: المسيحُ الصِّدِّيقُ.

وقد زعَم بعضُ الناسِ أن أصلَ هذه الكلمةِ عِبْرانيةٌ أو سُرْيانيةٌ "مَشِيحَا" (٢) فعرِّبت، فقيل: المسيحُ. كما عُرِّب سائرُ أسماءِ الأنبياءِ التى فى القرآنِ، مثلُ إسماعيلَ، وإسحاقَ، وموسى، وعيسى.

قال أبو جعفرٍ: وليس ما مثَّل به من ذلك للمسيحِ بنظيرٍ، وذلك أن إسماعيلَ وإسحاقَ وما أَشْبَة ذلك، أسماءٌ لا صفاتٌ، والمسيحُ صفةٌ، وغير جائزٍ أن تُخاطَبَ العربُ وغيرُها من أجناسِ الخلقِ فى صفةِ شيءٍ إلا بما (٣) يُفهَمُ عمَّن خاطَبها، ولو كان المسيحُ من غيرِ كلامِ العربِ ولم تكنِ العربُ تعقِلُ معناه ما خوطبت به، وقد أتيْنا بالبيانِ على نظائرِ ذلك فيما مضى بما فيه الكفايةُ من إعادتِه (٤).

وأما المسيحُ الدجَّالُ، فإنه أيضًا بمعنى الممسوحِ العينِ، صُرِّف من مفعولٍ (٥) إلى فَعيلٍ، فمعنى "المسيحِ" فى عيسى : الممسوحُ البدنِ (٦) من الأدناسِ والآثام، ومعنى "المسيحِ" فى الدجَّالِ: الممسوحُ العينِ اليمني أو اليسرى كالذى رُوى عن رسولِ اللهِ فى ذلك (٧).


(١) فى م: "وقيل".
(٢) فى الأصل، ص، ت ١: "مسيحا". بالسين المهملة، وينظر تاج العروس (م س ح).
(٣) فى ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "بمثل ما".
(٤) ينظر ما تقدم ٥/ ٤٠٩، ٤١٠.
(٥) فى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "مفعل".
(٦) فى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "الدرن".
(٧) أخرجه البخارى ١٣/ ٩٠ (٧١٢٣) من حديث نافع عن ابن عمر أراه عن النبى قال: "أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية"، ومسلم ٤/ ٢٢٤٨ (٢٩٣٤) من حديث حذيفة قال: قال رسول الله : "الدجال أعور العين اليسرى"، وينظر مسند الطيالسى (١٢٠٢).