للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، أُدْرِكت ذكاتُه فذُكِّى أو لم تُدْرَكْ ذكاتُه حتى قتَلتْه الجوارحُ بجَرْحِها إياه أو بغيرِ جَرْحٍ. وهذا قولُ الذين قالوا: تعليمُ الجوارحِ الذي يَحِلُّ به صيدُها أَنْ تُعَلَّمَ الاسْتِشْلَاءَ على الصيدِ، وطَلَبَه إذا أُشْلِيت عليه وأخْذَه، وترْكَ الهرَبِ مِن صاحبِها دونَ تَرْكِ الأكلِ مِن صيدِها إذا صادَته. وقد ذكَرنا قولَ قائلى هذه المقالةِ والروايةَ عنهم بأسانيدِها الواردةِ آنفًا (١).

وقال آخرون: بل ذلك على الخصوصِ دونَ العُمومِ. قالوا: ومعناه: فكُلوا مما أمْسَكن عليكم مِن الصيدِ جميعِه دونَ بعضه. قالوا: فإن أكَلت الجوارحُ منه بعضًا وأمْسَكَت بعضًا، فالذي أمْسَكَت منه غيرُ جائزٍ أكلُه وقد أكَلت بعضَه؛ لأنها إنما أمْسَكت ما أمْسَكت مِن ذلك الصيدِ بعدَ الذي أكَلت منه على أنفسِها لا علينا، واللهُ تعالى ذكرُه إنما أباح لنا أكلَ (٢) ما أَمْسَكَتْه جوارحُنا المعلَّمَةُ علينا (٣) بقولِه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾. دونَ ما أَمْسَكَتْه على أنفسِها. وهذا قولُ مَن قال: تعليمُ الجوارحِ الذي يَحِلُّ به صيدُها أَن تَسْتَشْلِيَ للصيدِ إذا أُشْلِيت، فتَطْلُبَه وتَأْخُذَه، فتُمْسِكَه على صاحبِها، فلا تَأْكُلَ منه شيئًا، ولا تَفِرَّ من صاحبِها. وقد ذكَرنا ممن قال ذلك فيما مضَى منهم جماعةً كثيرةً (١)، ونَذْكُرُ منهم جماعةً أُخَرَ (٤) في هذا الموضِعِ.

حدَّثنا المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عباسٍ قولَه: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾. يَقولُ: كُلُوا


(١) ينظر ما تقدم في ص ١١٥.
(٢) في م: "كل".
(٣) في م: "عليه".
(٤) في م: "آخرين".