للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ بَرَدٍ﴾ [النور: ٤٣]. قال: وهو فيما فسِّر: ويُنَزِّلُ مِن السماءِ جبالًا فيها (١) من بَرَدٌ. [قال: وقال بعضُهم: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾] (٢). أي: مِن السماءِ مِن بَرَدٍ. فَجَعَل (٣) الجبالَ من بَرَدٍ في السماءِ، ويَجْعَلُ (٤) الإنزالَ منها.

وكان غيرُه مِن أهلِ العربيةِ يُنْكِرُ ذلك ويقولُ: لم تَدْخُلْ "من" إلا لمعنىً مفهومٍ لا يَجُوزُ الكلامُ ولا يَصْلُحُ إلا به، وذلك أنها دالةٌ على التَّبْعِيضِ. وكان يقولُ: معنى قولِهم: قد كان مِن مطرٍ، وكان مِن حديثٍ: هل كان مِن مطرٍ مَطَرَ عندَكم؟ وهل مِن حديثٍ [حُدِّث عنكم] (٥)؟ ويَقُولُ: معنى: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾. أي: ويُكَفِّرُ عنكم مِن (٦) سيئاتِكم ما يَشاءُ ويُريدُ. وفى قولِه: ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ﴾. فيُجِيرُ حَذْفَ "مِن" ﴿مِنْ بَرَدٍ﴾. ولا يُجِيرُ حَذْفَها مِن الجبالِ، ويَتَأَوَّلُ معنى ذلك: ويُنَزِّلُ مِن السماءِ (٧) أمثالَ جبالٍ بَرَدًا. ثم أُدْخِلَتْ "مِن" في "البَرَدِ"؛ لأن "البَرَدَ" مفَسَّرٌ عندَه عن (٨) الأمثالِ، أعنى: أمثالَ الجبالِ. وقد أُقِيمت الجبالُ مُقامَ الأمثالِ، والجبالُ هي جبالٌ بَرَدٌ. فلا يُجِيرُ حَذْفَ "مِن" مِن الجبالِ؛ لأنها دالةٌ على أن الذي في السماءِ الذي أُنْزِل منه البردُ، أمثالُ جبالٍ بَرَدٍ، وأجاز حَذَفَ "مِنْ" مِن "البَرَدِ"؛ لأن "البَرَدَ" مفسَّرٌ عن الأمثالِ، كما تَقُولُ: عندى رطلان زيتًا، وعندى رطلان مِن الزيتِ.


(١) بعده في الأصل: "من".
(٢) سقط من: الأصل.
(٣) في ص، ت ١: "يجعل"، وفى م، ت ٢، ت ٣، س: "بجعل".
(٤) في م: "بجعل".
(٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "حديث عندكم".
(٦) سقط من: الأصل.
(٧) بعده في الأصل: "من".
(٨) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "من".