حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا معاويةُ، عن سُفيانَ، عن مُحاربِ بن دِثارٍ، عن سليمانَ بن بُرَيدةَ، عن أبيه، قال: كان رسولُ اللهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ لكلِّ صلاةٍ، فلما فَتَح مكةَ صَلَّى الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ بوضوءٍ واحدٍ.
حدَّثنا محمدُ بنُ عُبَيدٍ المُحَارِبيُّ، قال: ثنا الحَكَمُ بْنُ ظُهَيرٍ، عن مِسْعَرٍ، عن مُحارب بن دِثارٍ، عن ابن عمرَ، أن رسول الله ﷺ صَلَّى الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ بوضوءٍ واحدٍ (١).
وأَوْلى الأقوالِ في ذلك عندَنا بالصوابِ قولُ مَن قال: إن الله عَنَى بقوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا﴾. جميعَ أحوالِ قيامِ القائمِ إلى الصلاةِ، غير أنه أمرُ فرضٍ بغَسْلِ ما أمر اللهُ بغَسْلِه القائمَ إلى صلاتِه، بعدَ حَدَثٍ كان منه ناقضٍ طهارتَه، وقبلَ إحداثِ الوضوءِ منه، وأمْرُ نَدْبٍ لمَن كان على طُهْرٍ قد تَقَدَّم منه، ولم يكنْ منه بعدَه حَدَثٌ يَنْقُضُ طهارتَه، ولذلك كان ﵊ يَتَوَضَّأُ لكلِّ صلاةٍ قبلَ فتحِ مكةَ، ثم صلَّى يومَئذٍ الصلوات كلَّها بوضوءٍ واحدٍ؛ ليُعَلِّمَ أمتَه أن ما كان يفعلُ ﵊ مِن تَجْديدِ الطُّهْرِ لكلِّ صلاةٍ، إنما كان منه أَخْذًا بالفضل، وإيثارًا منه لأحبِّ الأمرَين إلى اللهِ، ومُسارعةً منه إلى ما نَدَبَه إليه ربُّه، لا على أن ذلك كان عليه فَرْضًا واجبًا.
فإن ظَنَّ ظَانٌّ أن في الحديث الذي ذكَرناه عن عبدِ اللهِ حَنْظلةَ، أن النبيَّ ﷺ أمَر بالوضوءِ عندَ كلِّ صلاةٍ، دلالةً على خلاف ما قُلنا من أن ذلك كان
(١) أخرجه ابن عدى ٢/ ٦٢٧ من طريق محمد بن عبيد المحاربي به، وأخرجه ابن أبي شيبة ١/ ٢٨ من طريق عطية، عن ابن عمر موقوفا.