للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَدْبًا للنبيِّ وأصحابِه، وخُيِّل إليه أن ذلك كان على الوجوب، فقد ظَنَّ غيرَ الصوابِ؛ وذلك أن قولَ القائلِ: أمر الله نبيَّه بكذا وكذا. مُحْتملٌ من وجوهٍ لأمر الإيجابِ والإرشادِ والنَّدْبِ والإباحةِ والإطلاقِ. وإذ كان مُحْتملًا ما ذكَرنا من الأوجهِ، كان أوْلى وجوهِه به ما على صحتِه الحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ، دونَ ما لم يكنْ على صحتِه برهانٌ يُوجِبُ حَقيقة (١) مُدَّعِيه. وقد أَجْمَعَت الحُجَّةُ على أن الله ﷿ لم يُوجِبْ على نبيِّه ولا على عباده فرضَ الوضوء لكلِّ صلاةٍ ثم نُسخ ذلك. ففى إجماعِها على ذلك الدلالةُ الواضحةُ على صحةِ ما قُلنا مِن أن فعْلَ النبيِّ ما كان يفعلُ مِن ذلك، كان على ما وَصَفْنا من إيثارِه فعلَ ما نَدَبَه اللهُ عزّ ذكرُه إلى فعله، وندَب إليه عبادَه المؤمنين بقولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ الآية. وأن تَرْكَه في ذلك الحال التي تَرَكَه، كان تَرْخيصًا لأمتِه، وإعلامًا منه لهم أن ذلك غيرُ واجبٍ ولا لازمٍ له ولا لهم، إلا مِن حَدَثٍ يُوجِبُ نَقْضَ الطُّهْرِ.

وقد رُوى بنحو ما قُلنا في ذلك أخبارٌ.

حدَّثنا ابن المُثَنَّى، قال: ثنى وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، قال: ثنا شعبةُ، عن عمرو بن عامرٍ، عن أنسٍ، أن النبيَّ أُتِي بقَعْبٍ صغيرٍ فتَوَضَّأَ. قال: قلتُ لأنسٍ: أكان رسول الله يَتَوَضَّأُ عند كلِّ صلاةٍ؟ قال: نعم. قلتُ: فأنتم؟ قال: كُنَّا نُصَلِّي الصلواتِ بوضوءٍ واحدٍ (٢).


(١) في م: "حقية".
* إلى هنا ينتهى الخرم في النسخة ت ١، والذي أشرنا إليه في ص ١٥٥.
(٢) أخرجه ابن خزيمة (١٢٦)، والطحاوى ١/ ٤٢ من طريق وهب بن جرير به. وأخرجه الطيالسى (٢٢٣١)، وأحمد ٢٠/ ٣٢١ (١٣٠١٧)، والنسائى (١٣١)، والطحاوى ١/ ٤٥، والحازمي في الاعتبار ص ٥٣ من طريق شعبة به. وأخرجه أبو عبيد في الطهور (٤٢)، وأحمد ١٩/ ٣٥٠ (١٢٣٤٦)، =