للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السحابُ لا يُماصِعُ الملَكَ، وإنما الرعدُ هو الماصِعُ (١) له، فجعَله مصدرًا من: مصَعَه يمصَعُه مَصْعًا.

وقد ذكَرنا في معنى الصاعقةِ ما قاله شهرُ بنُ حَوْشبٍ فيما مضَى (٢).

وأما تأويلُ الآيةِ، فإن أهلَ التأويلِ مختلِفون فيه؛ فرُوِي عن ابنِ عباسٍ في ذلك أقوالٌ؛ أحدُهما: ما حدَّثنا به محمدُ بن حُميدٍ، قال: حدَّثنا سَلَمةُ بنُ الفضلِ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ إسحاقَ، عن محمدِ بنِ أبي محمدٍ مولى زيدِ بنِ ثابتٍ، عن عكرمةَ، أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ أي: هم من ظلُمات ما هم فيه من الكفرِ والحذرِ من القتلِ على الذي هم عليه من الخلافِ والتخوُّفِ منكم - على مثلِ ما وَصَفَ من الذي (٣) هو في ظلمةِ الصيِّبِ، فجعَل أصابعَه في أُذُنيه مِن الصواعقِ حذَرَ الموتِ، ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ أي: لشدةِ ضوءِ الحقِّ، ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ أي: يعرِفون الحقَّ ويتكلَّمون به، فهم من قولِهم به على استقامةٍ، فإذا ارْتَكسوا منه إلى الكفرِ قامُوا متحيِّرين (٤).


(١) في م: " المماصع".
(٢) ينظر ما تقدم في ص ٣٥٧.
(٣) في الأصل: "الذين".
(٤) سيرة ابن هشام ١/ ٥٣٣، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٥٤، ٥٦، ٥٨ (١٨٣، ١٩٨، ٢٠٦، ٢٠٩) من طريق سلمة به، وتقدم أول هذا الأثر في ص ٣٣٦.