للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِن حِذارِ الموتِ في آذانِهم.

وكان قتادةُ وابنُ جُرَيْجٍ يَتَأوَّلان قولَه: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ أن ذلك مِن اللهِ جل ثناؤُه صفةٌ للمنافِقِين بالهَلَعِ وضعفِ القلوبِ وكراهيةِ الموتِ ويَتَأوَّلان في ذلك قولَه: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ [المنافقون:٤].

وليس الأمرُ في ذلك عندي كالذي قالا، وذلك أنه قد كان فيهم مَن لا تُنْكرُ شجاعتُه، ولا تُدْفَعُ بَسالتُه، كقُزْمانَ (١) الذي لم يَقُمْ مَقامَه أحدٌ (٢) مِن المؤمنين [يومَ أحُدٍ] (٣)، ودونَه (٤)، وإنما كانت كراهتُهم شُهودَ المشَاهِدِ مع رسولِ اللهِ ، وتَرْكُهم مُعاونتَه على أعدائِه؛ لأنهم لم يكونوا في أديانِهم مُسْتَبْصِرين، ولا برسولِ اللهِ مُصَدِّقِين، فكانوا للحضورِ معه مَشاهدَه كارِهِين، إلا بالتَّخْذِيلِ عنه.

ولكنّ ذلك وصفٌ مِن اللهِ لهم بالإشْفاقِ مِن حُلولِ عقوبةِ اللهِ بهم على نفاقِهم، إما عاجلًا وإما آجِلاً.

ثم أخْبَر جلّ ثناؤُه أن المنافِقِين الذين نعَتَهم اللهُ النَّعْتَ الذي ذكَر، وضرَب لهم الأمثالَ التي وصَف، وإنِ اتَّقَوْا عقابَه، وأشْفَقُوا من عذابِه إشفاقَ الجاعلِ في أُذنيه أصابعَه حِذارَ حُلولِ الوَعيدِ الذي توَعَّدهم له في آيِ كتابِه - غيرُ مُنْجِيهم ذلك مِن نزولِه بعَقْوَتِهم (٥)، وحُلولِه بساحتِهم، إما عاجلًا في الدنيا، وإما آجِلًا في الآخِرةِ،


(١) هو قزمان بن الحارث، حليف بني ظفر، كان منافقا معروفا بالشجاعة، وقاتل يوم أحد قتالا شديدا، حتى أصابته الجراحة، فقتل نفسه. ينظر الإصابة ٥/ ٤٤٠.
(٢) سقط من: ض، وفي ر: "بأحد"، وفي ت ٢: "كأحد".
(٣) في ص "كثير أحد" وفي ر، ت ٢: "كبير أحد"، وفي ت ١، م: "بأحد".
(٤) في الأصل، ر: "ذويه".
(٥) في ص: "بعقولهم"، وفي م: "بعقوبتهم". والعقوة والعقاة: الساحة وما حول الدار، والمحلة. اللسان (ع ق و).