للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما جعَل اللهُ إدخالَهم أصابِعَهم في آذانِهم مَثَلًا لاتِّقائهم رسولَ اللهِ والمؤمنين بما ذكَرْنا أنهم يتَّقُونهم به، كما يَتَّقِي سامعُ صوتِ الصاعقةِ بإدخالِ أصابعِه في أُذُنيه، وذلك مِن المثَلِ نظيرُ تَمثيلِ اللهِ ما أنْزَل (١) فيهم مِن الوَعيدِ في آيِ كتابِه بأصواتِ الصَّواعقِ، وكذلك قولُه: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ جعَله جل ثناؤُه مَثَلًا لخوفِهم وإشفاقِهم مِن حُلولِ عاجلِ العِقابِ المُهْلِكِهم (٢) الذي تُوُعِّدوه بساحتِهم، كما يَجْعَلُ سامعُ أصواتِ الصَّواعِقِ أصابِعَه في أُذُنيه حَذَرَ العَطَبِ والموتِ على نفسِه أن تَزْهَقَ مِن شدتِها.

وإنما نصَب قولَه: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ على نحوِ ما تَنْصِبُ به التَّكْرِمةَ في قولِك: زُرْتُك تَكْرِمةً لك. تُرِيدُ بذلك: زُرْتُك (٣) مِن أجلِ تَكْرِمتِك. وكما قال جلّ ثناؤُه: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء: ٩٠]. على التفسيرِ للفعلِ (٤). وقد رُوي عن قتادةَ أنه كان يتأوَّلُ قولَه: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾: حَذَرًا مِن الموتِ. حدَّثنا بذلك الحسنُ بنُ يحيى، قال: حدَّثنا عبدُ الرزَّاقِ، قال: حدَّثنا مَعْمَرٌ عنه.

وذلك مذهبٌ مِن التأويلِ ضعيفٌ؛ لأنَّ القومَ لم يَجْعَلوا أصابعَهم في آذانِهم حَذَرًا مِن الموتِ، فيكونَ معناه ما قال: إنه يرادُ (٥) به: حَذَرًا مِن الموتِ. وإنما جعَلوها


(١) في الأصل: "نزل".
(٢) في م: "المهلك".
(٣) سقط من: ص، ت ٢، ت ٣.
(٤) يعني بالتفسير للفعل: المفعول لأجله. ينظر معاني القرآن للفراء ١/ ١٧، والمصطلح النحوي ص ١٦٤.
(٥) في م: "مراد".