للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباطلٌ؟ مَثَلٌ (١). فهم مِن وَجَلِهم أن يكونَ ذلك حقًّا، يتَّقُونه بالإقرارِ بما جاء به محمدٌ بألسنتِهم، مخافةً على أنفسِهم مِن الهلاكِ ونزولِ النَّقِماتِ. وذلك تأويلُ قولِه جلّ ثناؤُه: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ يعْني بذلك: يَتَّقُون وَعيدَ اللهِ الذي أنْزَله في كتابِه على لسانِ رسولِه بما يُبْدُونه بألسنتِهم مِن ظاهرِ الإقرارِ، كما يَتَّقِي الخائفُ (٢) أصواتَ الصَّواعقِ بتغطيةِ أُذُنيه، وتَصْييرِ أصابِعِه فيهما (٣)، حَذَرًا على نفسِه منها (٤).

وقد ذكَرْنا الخبرَ الذي رُوِي عن ابنِ مسعودٍ وعن ابنِ عباسٍ أنهما كانا يَقُولان: إن المنافقين كانوا إذا حضَروا مجلسَ رسولِ اللهِ أدْخَلوا أصابعَهم في آذانِهم فَرَقًا مِن كلامِ رسولِ اللهِ ، أن يَنْزِلَ فيهم شيْءٌ، أو يُذْكَروا بشيْءٍ فيُقْتَلوا (٥). فإن كان ذلك صحيحًا - ولستُ أعْلَمُه صحيحًا، إذ كنتُ بإسنادِه مُرتابًا - فإن القولَ الذي رُوِي عنهما هو القولُ. وإن يكنْ غيرَ صَحيحٍ، فأوْلَى بتأويل الآيةِ ما قُلْنا، لأنَّ اللهَ إنما قصَّ علينا مِن خبرِهم في أولِ مُبْتَدَأِ قَصَصِهم، أنهم (٦) يُخادِعون اللهَ ورسولَه والمؤمنين بقولِهم: آمَنَّا باللهِ وباليومِ الآخِرِ. مع شكِّ قلوبهم ومرضِ أفئدتِهم في حقيقةِ ما زعَموا أنهم به مُؤْمنون، مما جاءَهم به رسولُ اللهِ مِن عندِ ربِّهم، وبذلك وصَفهم في جميعِ آيِ القرآنِ التي ذكَر فيها صفتَهم، فكذلك ذلك في هذه الآيةِ.


(١) ليست في: الأصل، وفي ت ١: "شك".
(٢) بعده في ر: "من".
(٣) في ص، م، ت ١: "فيها".
(٤) في ت ٢: "منهما".
(٥) تقدم في ص ٣٦٨.
(٦) بعده في ص: "عارفون".