للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وباليومِ الآخِرِ وبمحمدٍ وبما جاء به. حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكامُ المؤمنين، وهم - مع إظهارِهم بألسنتِهم ما يُظْهِرون - باللهِ وبرسولِه وما جاء به مِن عندِ اللهِ وباليومِ الآخرِ مُكَذِّبون، ولخلافِ ما يُظْهِرون بالألْسُنِ في قلوبهم مُعْتَقِدون، على عمًى منهم وجَهالةٍ بما هم عليه مِن الضَّلالةِ، لا يَدْرُون في (١) أيِّ الأمْرَين اللذين قد شُرِعا لهم الهدايةُ، في (٢) الكفرِ الذي كانوا عليه قبلَ إرسالِ اللهِ محمدًا بما أرْسَله به إليهم، أم في الذي أتاهم به محمدٌ مِن عندِ ربِّهم؟ فهم مِن وَعيدِ اللهِ إياهم على لسانِ محمدٍ وَجِلون، وهم مع وَجَلِهم مِن ذلك في حقيقتِه شاكُّون، في قلوبِهم مرضٌ فزادَهم اللهُ مرضًا -كمثل غَيْثٍ سرَى ليلًا في مُزْنةٍ (٣) ظَلْماءَ وليلةٍ (٤) مُظْلِمةٍ، يَحْدُوها رَعْدٌ، ويَسْتَطِيرُ في حافاتِها برقٌ، شديدٌ لَمَعانُه، كثيرٌ خَطَرانُه (٥)، يَكادُ سناه (٦) يَذْهَبُ بالأبصارِ، ويَخْتَطِفُها مِن شدَّةِ ضِيائِه ونورِ شُعاعِه، وتَهْبِطُ منها تاراتٍ صَواعِقُ، تَكادُ تَدَعُ النفوسَ مِن شدةِ أهْوالِها زَواهِقَ.

فالصَّيِّبُ مَثَلٌ لظاهرِ ما أظْهَر المُنافِقون بألسنتِهم مِن الإقْرارِ والتَّصْديقِ، والظلماتُ التي هي فيه لظُلُماتِ ما هم مُسْتَبِطنوه (٧) من الشكِّ والتَّكْذِيبِ ومرضِ القلوبِ، وأما الرعدُ والصَّواعقُ فلِما هم عليه مِن الوَجَلِ مِن وَعيدِ اللهِ إياهم على لسانِ رسولِه في آيِ كتابِه، إمَّا في العاجلِ وإمَّا في الآجِلِ، أن يَحُلَّ بهم، مع شكِّهم في ذلك، هل هو كائنٌ أم غيرُ كائنٍ، وهل له حقيقةٌ أم ذلك كذبٌ


(١) سقط من: ص، ر، م، ت ١، ت ٢.
(٢) في الأصل، ص: "أفي".
(٣) في ت ١: "برية".
(٤) في م: "ليل".
(٥) الخطران: الارتفاع والانخفاض. انظر التاج (خ ط ر).
(٦) في ص، ر، م، ت ١، ت ٢: "سنا برقه".
(٧) في م: "مستنبطون".