للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلائقِ (١).

وأولى القولين في ذلك عندى بالصوابِ قولُ من قال: إن "الأربعين" منصوبةٌ بـ"التحريم"، وإن قولَه: ﴿مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾. معنيٌّ به جميعُ قومِ موسى، لا بعضٌ دونَ بعضٍ منهم؛ لأن الله عزَّ ذكرُه عمَّ بذلك القومَ، ولم يَخصُصْ منهم بعضًا دونَ بعضٍ، وقد وفَّى الله جل ثناؤه بما وعَدهم به من العقوبةِ، فتيَّههم أربعين سنةً، وحرَّم على جميعِهم - في الأربعين سنةً التي مكَثوا فيها تائهين - دخولَ الأرضِ المقدَّسةِ، فلم يدخُلْها منهم أحدٌ؛ لا صغيرٌ ولا كبيرٌ، ولا صالحٌ ولا طالحٌ، حتى انقضت السِّنون التي حرَّم اللهُ ﷿ عليهم فيها دخولَها، ثم أذِن لمن بقى منهم وذراريِّهم بدخولِها مع نبيِّ اللهِ موسى والرجلين اللذين أَنْعَمَ اللهُ عليهما، وافتتح قريةَ الجبَّارين إن شاء اللهُ نبيُّ الله موسى وعلى مقدِّمَتِه يوشعُ، وذلك لإجماعِ أهلِ العلم بأخبارِ الأولين، أنّ عوجَ بنَ عناقَ قتَله موسى ، فلو كان قتلُه إيَّاه قبلَ مصيرِه في التيهِ، وهو من أعظمِ الجبارين خَلْقًا لم تكنْ بنو إسرائيلَ تجزَعُ من الجبارين الجزعَ الذي ظهَر منها، ولكن ذلك كان إن شاء اللهُ بعدَ فناءِ الأمةِ التي جزَعت، وعصَت ربَّها، وأَبَت الدخولَ على الجبَّارين مدينتَهم.

وبعدُ، فإن أهلَ العلمِ بأخبارِ الأولين مجمعون أن بلعمَ بنَ باعورَ (٢) كان ممن أعان الجبَّارين بالدعاءِ على موسى، ومحالٌ أن يكونَ ذلك كان وقومُ موسى ممتنِعون من حربِهم وجهادِهم؛ لأن المعونةَ إنما يَحتاجُ إليها من كان مطلوبًا، فأما ولا طالبَ فلا وجهَ للحاجةِ إليها.


(١) ينظر عرائس المجالس ص ٢١٥، ونهاية الأرب ٣/ ٢٦٤، ٢٦٥، وكتاب القوم، سفر العدد الأصحاح ١٤ ص ٢٣٥، ٢٣٦. وقوله: فلما شب النواشئ. أخرجه المصنف في تاريخه ١/ ٤٣٧،٤٣٩.
(٢) في م: "باعوراء".