للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرضِ. قال قابيلُ: عَظُمَتْ خَطِيئَتى مِنْ (١) أن تغفِرَها، قد أَخْرَجْتَنى اليومَ عن وجهِ الأرضِ، وأَتَوَارَى مِن قُدَّامِك، وأكونُ فرعًا تائهًا في الأرضِ، وكلُّ مَنْ لَقِيَني قتَلني. فقال اللهُ جلَّ وعزَّ: ليس ذلك كذلك. ولا يكونُ كلُّ [مَنْ قَتَل قَتِيلًا يُجْزَى بواحدٍ سبعةً] (٢)، ولكنْ [مَنْ قَتَل قابيلَ] (٣) يُجْزَى سبعةً. وجعَل اللَّهُ في قابِيلَ آيَةً لِئَلَّا يَقْتُلَه كُلُّ مَن وَجَدَه. وخرَج قابيلُ مِن قُدَّام اللَّهِ ﷿ مِن شَرْقِيِّ عَدْنِ الجَنَّةِ (٤).

حدَّثنا أبو كُريبٍ، قال: ثنا جابرُ بنُ نوحٍ، قال: ثنا الأعمشُ، عن خَيْثَمَةَ، قال: لمَّا قتَل ابن آدمَ أخاه نَشِفَتِ (٥) الأرضُ دمَه، فلُعِنَتْ، فلم تَنْشِفِ الأرضُ دمًا بعدُ (٦).

فتأويلُ الكلامِ: فأثار اللهُ للقاتلِ إذ لم يَدْرِ ما يَصْنَعُ بأخيه المقتول ﴿غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ﴾. يقولُ: يَحْفِرُ في الأرض فيثيرُ ترابَها ﴿لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾. يقولُ: ليُرِيَه كيف يُوارى جِيفةَ أخيه. وقد يَحْتَمِلُ أن يكونَ عَنَى بالسَّوْءَةِ الفَرْجَ. غيرَ أن الأغْلَبَ مِن معناه ما ذكَرتُ مِن الجيفةِ، وبذلك جاء تأويلُ أهلِ التأويلِ. وفى ذلك محذوفٌ تُرِك ذكرُه اسْتِغْناءً بدَلالةِ ما ذُكِر منه، وهو: فَأَرَاه بأن بحَث في الأرضِ لغرابٍ آخرَ ميِّتٍ، فواراه فيها. فقال القاتلُ أخاه حينَئذٍ: ﴿يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ﴾ الذي وَارَى الغُرَابَ الآخَرَ


(١) في م، ت ٢، ت ٣، س: "عن".
(٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قتيل قتيلًا يجزى واحدًا"، وفى، م، س: "قاتل قتيلًا يجزى واحدًا". والمثبت من تاريخ المصنف.
(٣) سقط من: النسخ. والمثبت من تاريخ المصنف مع تغيير قَيْن إلى قابيل ليتسق مع ما هنا، وينظر ما تقدم في ص ٣٢١.
(٤) تمام الأثر المتقدم في ص ٣٢١، ٣٢٢.
(٥) نشفت: شربت. الوسيط (ن ش ف).
(٦) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٢٧٥ إلى المصنف.