للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بامرأةٍ قد أحْصَنَت، فاحْكُمْ فيهما، فقد ولَّيْناك الحكمَ فيهما. فمشَى رسولُ اللَّهِ حتى أتَى أحْبارَهم في بيتِ المِدْراسِ، فقال: "يا معشَرَ اليهودِ، أَخْرِجوا إليَّ أَعْلَمَكم". فأخْرَجوا إليه عبدَ اللَّهِ بنَ صُورِيَا الأعْوَرَ - وقد روَى بعضُ بنى قُريظةَ (١) أنهم أخرَجوا إليه يومَئذٍ مع ابن صُورِيَا أبا ياسرِ بنَ أخْطَبَ ووهبَ بنَ يَهوذَا، فقالوا: هؤلاء علماؤُنا. فسَألهم (٢) رسولُ اللَّهِ حتى حصَّل (٣) أمرَهم إلى أن قالوا لابنِ صُورِيَا: هذا أعلمُ مَن بقِى بالتوراةِ - فخلَا به رسولُ اللَّهِ ، وكان غلامًا شابًّا مِن أحدثِهم سنًّا، فألَظَّ (٤) به رسولُ اللَّهِ المسألةَ، يقولُ: "يا ابنَ صُورِيَا، أَنْشُدُك اللَّهَ، وأُذَكِّرُك أيادِيَه عندَ بنى إسرائيلَ، هل تَعْلَمُ أن اللَّهَ حكَم في مَن زنَى بعدَ إحصانِه بالرجمِ في التوراةِ؟ ". فقال: اللهمَّ نعم، أمَا واللَّهِ يا أبا القاسمِ إنهم لَيَعْلَمون أنك نبيٌّ مرسَلٌ، ولكنهم يَحْسُدونك. فخرَج رسولُ اللَّهِ ، فأمَر بهما فرُجِما عندَ بابِ مسجدِه في بنى [غَنْمِ بن مالكِ] (٥) بن النجارِ، ثم كفَر بعدَ ذلك ابن صُورِيَا، فأنْزَل اللَّهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ (٦).

حدَّثنا ابن وَكيعٍ، قال: ثنا أبى، ح وحدَّثنا هَنَّادٌ، قال: ثنا أبو مُعاويةَ، عن الأعمشِ، ح وحدَّثنا هَنَّادٌ، قال: ثنا عَبِيدةُ بنُ حُمَيْدٍ (٧)، عن الأعمشِ، عن


(١) من هنا إلى قوله: أعلم من بقى بالتوراة. من قول ابن إسحاق، كما ذكر ابن هشام في السيرة.
(٢) في ص، ت ١، س، وسنن البيهقى: "فقال لهم".
(٣) حصَّلت الأمر: حققته وأثبته. النهاية ١/ ٣٩٦.
(٤) ألظ به: ألح في سؤاله وألزمه إياه. النهاية ٤/ ٢٥٢.
(٥) في النسخ: "عثمان بن غالب". والمثبت من سيرة ابن هشام وسنن البيهقى ودلائل النبوة، وينظر جمهرة أنساب العرب ص ٣٤٧.
(٦) سيرة ابن هشام ١/ ٥٦٤، وأخرجه البيهقى ٨/ ٢٤٦، وفى الدلائل ٦/ ٢٧٠ من طريق يونس به نحوه، وأخرجه أبو داود (٤٤٥١)، والبيهقى ٨/ ٢٤٧، وابن عبد البر في التمهيد ١٤/ ٤٠٠، ٤٠١، من طريق ابن إسحاق به مختصرًا بنحوه.
(٧) في م: "عبيد". وينظر تهذيب الكمال ١٩/ ٢٥٧.